كانت لمباراة الموزمبيق سياقاتها الزمنية، تحدياتها الرياضية ورهاناتها الإستراتيجية، لذلك من المفترض أن تكون كل الأغطية العاطفية التي غطت الأفق وكل الشحنات النفسية التي أنتجتها المباراة لاعتبارات وجدانية لا أرى حاجة للعودة إليها، قد زالت بالكامل وتركت الفضاء فسيحا لنؤسس عليه بالعقل وبالمنطق الإنتظارات التي هي من طبيعة المرحلة. كانت مباراة الموزمبيق مفصلية، أصدرت حكما لا نقض ولا إبرام فيه بعدم جدوى تمديد الإرتباط بغيرتس لفشله في كسب أصغر الرهانات، أعادت لقيادة أسود الأطلس الربان الوطني مجسدا في حماسة ونضج رشيد الطوسي، وأعطتنا وهذا هو الأهم تأهلا لنهائيات كأس إفريقيا للأمم بجنوب إفريقيا، يفترض أن يكون لنا رهانا نحدد فيه الأولويات التقنية والإستراتيجية والرياضية بدقة متناهية، بلا مزايدات وبلا تشنجات وبلا إملاءات أيضا. بالقطع لا يمكن إلا أن نذغن لمشيئة الظروف وأيضا لراهن الفريق الوطني فنقول مع رشيد الطوسي أن من الخطأ أن تطول أعناقنا حتى تنكسر وتكبر أحلامنا حتى تصبح أضغاتا، فواقع الحال يقول بأن الفريق الوطني الذي تجرع مرارة الإقصاء من الدور الأول في آخر ثلاث نهائيات لكأس إفريقيا للأمم حضرها بعد ملحمة تونس 2004، لا يمكنه إلا أن يكون في جنوب إفريقيا منافسا على عبور الدور الأول، والأمر يفرض تدبيرا فنيا وتكتيكيا ذكيا للمباريات الثلاث أمام أنغولا، الرأس الأخضر وجنوب إفريقيا. ومع الجزم بأن الرهان الأول هو السعي إلى تجاوز الدور الأول، فإن نهائيات كأس إفريقيا للأمم بجنوب إفريقيا يجب أن تكون للفريق الوطني ولرشيد الطوسي الناخب والربان وللجامعة أيضا محطة إستراتيجية، يجب أن يكون التركيز فيها قويا على إعادة بناء شخصية الفريق الوطني، الشخصية المتطابقة التي توظف خصوبة وتعدد الخيارات البشرية من أجل إفراز أداء جماعي يحصل على هامش كبير ليتطور، إلى أن يصل درجة الإكتمال عندما يستضيف المغرب سنة 2015 النسخة الثلاثين لنهائيات كأس إفريقيا للأمم برهان واحد وخيار وحيد هو الفوز باللقب القاري. وعندما يكون هدف المدى البعيد في الإستراتيجية التي يفترض أن تكون موجودة، متوافق عليها وقابلة للتنزيل فورا، هو وضع الأساس لبنية الفريق الوطني البشرية والتقنية لتأهيله رياضيا وتكتيكيا للتحديات القادمة، فإن الأمر يفرض حسم كثير من الأشياء التي لها علاقة بالمقوم التقني والتكتيكي وبالنسيج البشري أيضا. وهنا يطرح سؤال ساخن على رشيد الطوسي الذي يفترض أنه المالك لسلطة تنفيذ وأجرأة ما تفكر فيه الجامعة. كيف سيوظف مشاركة الفريق الوطني في نهائيات كأس إفريقيا للأمم ببلاد نيلسون مانديلا؟ هل يركن إلى عنصر الخبرة ويحتفظ بكل الأحزمة القديمة، أم يحدث ثورة نمطية داخل النسيج البشري ليجعل من الكان فرصة لبناء المستقبل القريب؟ إن كان رشيد الطوسي قد إختار أَمَرَّ ما في الإختيارين، بناء فريق وطني للمستقبل القريب، فإنه للأمانة سيكون قد رد بطريقته على الجامعة التي حددت الإرتباط زمنيا بالطوسي وبفريقه التقني لسنة واحدة، وكأنها تلزمه بأن يتفادى مع أسود الأطلس الخروج من الدور الأول للكان القادم، وتلزمه فوق هذا وذاك بأن يكسب بطاقة المرور إلى الدور التصفوي الحاسم المؤهل لمونديال 2014 بالبرازيل وهو من يرث فريقا وطنيا لم يحصل من جولتين عن التصفيات سوى على نقطتين ولم يستغل فرصة إستضافته لكوت ديفوار أقوى منافس عندما تعادل معه بمراكش. سيكون من الوطنية ومن الشجاعة أن يضع رشيد الطوسي مصلحة الفريق الوطني فوق مصلحته، أن يراهن على فتح ورش البناء لربح تحديات المستقبل القريب، أكثر ما يراهن على تأمين نفسه بالسعي إلى تحقيق نتائج فورية تعطيه الحق في البقاء ناخبا وطنيا لفترة تطول عن تلك التي حددتها له الجامعة.. لكل هذا فإن مباراة الطوغو ليوم الأربعاء، وهي المحك الودي الأول لرشيد الطوسي تمثل لنا جميعا لحظة فارقة وفاصلة في الحسم في الإختيارات البنوية والإستراتيجية، لأنها تمهد لدخول جديد يبدو أن ملامحه وعناصره البنوية ستكون مختلفة.. من هذه الإختيارات أن يغض الطوسي الطرف عن العميد الحسين خرجة الذي تمثل في آخر مباريات الفريق الوطني دور المنقذ، ومنها أيضا أن تعطى الفرصة لمحمد أمسيف لقياس مدى جاهزيته النفسية ليتحمل عبئا ثقيلا بخلافة نادر لمياغري أولا وبإذابة جليد الخوف المتراكم ثانيا من غياب حراس مرمى في طينة علال، الهزاز والزاكي، ومنها أن تظهر بصمة رشيد الطوسي في المضمون التكتيكي للفريق الوطني، فمباراة الطوغو برغم طبيعتها الودية هي مرحلة تؤسس لبناء هوية تكتيكية جديدة، على إعتبار أن ما كان في مباراة الموزمبيق تصريف طبيعي لإرث بشري وتكتيكي تركه إريك غيرتس.. وإذا ما آمنا جميعا بأن هذه المرحلة لا بد وأن تبدأ اليوم قبل الغد، وفي ذلك إنتصار لمصلحة الفريق الوطني، فإنه لا بد وأن نسعى جميعا إلى إنجاح الإختبار أمام الطوغو، لكونه اللقاء الذي منه سيستمد الطوسي وأسود الأطلس القوة من أجل مواجهة التحديات المقبلة بأريحية نفسية كبيرة تساعد على تسريع وثيرة التطور بكامل أوجهه. وطبعا أول من يعنى بهذا النجاح جماهير الدارالبيضاء التي لطالما ألحت في طلب عودة الفريق الوطني للعب بمركب محمد الخامس بالدارالبيضاء بعد أن لعب زمنا طويلا بمركب مراكش، فأنا أعرف جيدا أن الميلادات الكبرى للفريق الوطني كانت بمركب محمد الخامس لوجود حافز معنوي كبير ولوجود ضغط نفسي إيجابي يشجع على مزيد من العمل وعلى كثير من الأمل لبناء ما قلت أنه المستقبل القريب. ------------------- قد يكون لغياب خرجة الذي تمليه ظروف إعادة بناء الفريق الوطني دوره في إعادة تأطير الوظائف التكتيكية لكل من يونس بلهندة وعبد العزيز برادة، فمَا ظهر واضحا وجليا خلال مباراة الموزمبيق أنه بخروج يونس بلهندة الذي لم يرض عنه، تحرر عبد العزيز برادة وقدم كشفا صريحا بقدراته الفنية والمهارية في دور صانع اللعب، وهو الدور الذي تعاقب عليه مؤخرا كل من بلهندة وامبارك بوصوفة. مؤكد أن المحك الودي أمام الموزمبيق سيكشف عن صواب أو خطأ إسقاط الحسين خرجة من التركيبة الأساسية لتقدمه في السن وأيضا لاختياره اللعب بدوري نجوم قطر، وسيتمكن رشيد الطوسي من إختبار بلهندة في مركز الوسط السقاء لإعطاء مساحات معقولة لبرادة ليحرر مواهبه الهجومية وقدراته الكبيرة في بناء اللعب، مع أنني على يقين كامل من أن الفريق الوطني سيربح الكثير من توظيف عاقل وذكي لبلهندة وبرادة على نحو يعطينا أفضل ما عندهما مهاريا وإبدعيا.. -------------------- شغلنا الجدل الكبير الذي أثاره الحكم التيازي عند إدارته لديربي الرجاء والوداد عن نصف نهائي كأس العرش، باحتسابه لضربة جزاء إنقسم الخبراء في القول بصحتها أو بعدم صحتها وعدم إشهاره لتسلل بورزوق لحظة تسجيل الهدف الثاني للرجاء، عن الإشادة بالصورة الفنية الجميلة التي أخرجت بها القناة الثانية مباراة الغريمين، صورة رائعة ساهمت في تصدير وجه كرة القدم الوطنية على نحو جيد إلى ربوع العالم، ما دام أن مباراة الرجاء والوداد سافرت إلى القارات الخمس كاملة أو مختزلة.. وظفت القناة الثانية لشرطية المناسبة ترسانة من المعدات التقنية الحديثة والجديدة والمتطورة وأبرزت في ذلك جهدا لوجستيكيا مشكورا هو شرط من شروط مساهمة الإعلام، بخاصة منه المرئي والمسموع في تخصيب وتطوير وتلميع المشروع الإحترافي لكرة القدم الوطنية. وكما أن الجامعة ظلمت الدور نصف النهائي ببرمجة المباراتين معا في توقيت واحد تحت الإكراه، فإن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة كرست هذا الظلم عندما تباينت الطرق والوسائل في البث المباشر الديربي الدارالبيضاء على القناة الثانية وديربي الرقراق على القناة الأولى، فقد كان مستحيلا أن نعقد أية مقارنة بين النقل التلفزي للمباراتين لوجود فارق مهول، وكأني بهما جرتا في كوكبين مختلفين. لا أتهم ولا أبحث عن ذرائع، ولكن أقول فقط أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة التي تصرف 10 مليارات سنويا على حقوق البث التلفزي لمباريات كرة القدم، بحاجة إلى إستثمار أفضل لحصرية النقل يمكنها من عائدات مادية ويعطيها القدرة لتسوق بأفضل صورة المنتوج الكروي الوطني. بدر الدين الادريسي