قد نتفهم انشقاق أو انفصال موسى اعبيدة عن نقابة (SDP) العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، وتأسيس النقابة الحرة للفوسفاط (SLP) في 30 مارس من سنة 2019 على أساس خيار الاستقلالية عن المركزيات والقطع مع سياسة تحكم الشيوخ... (قد نتفهم هذا الأمر) لكننا سنحتاج إلى مجهود أكبر كي نفهم انقلاب النقابة ذاتها على هذه المبادئ والتراجع عن الخيارات المعلنة سلفا، مقابل الانضمام إلى مركزية الاتحاد المغربي للشغل التي، يعلم الجميع، أن أمينها العام الميلودي موخاريق البالغ من العمر 74 عاما، والذي طالما كان محط تساؤلات نقابية وصحفية؛ ما الذي يفعله نقابي ثري على رأس الاتحاد المغربي للشغل مع الطبقة الكادحة ومع العمال ومع (مزاليط) هذا الوطن!! لفهم أكثر هذا السؤال وهذا التراجع المنهجي المفتقد إلى حدود الساعة لتوضيحٍ ولوثيقةٍ تبسط أسباب ومسببات هذه المراجعة أو التراجع، بالضبط كما تفعل النقابات التي تحترم نفسها وتحترم العمال. يجب أن نقف باعتدال أمام سؤال الاستقلالية التي يتغنى بها كثير من النقابات ومنها نقابة (SLP) قبل تاريخ الانضمام الرسمي يوم 26 ماي 2024، أي قبل أيام قليلة فقط. إذ إن أغلب النقابات، المركزية منها والقطاعية تدّعي الاستقلالية عن الدولة وعن الأحزاب وأيضا عن الباطرونة، والحال أن منهجيتها وممارستها على أرض الواقع تقول بغير ذلك، والأرشيف النضالي لأغلب النقابات يؤكد أن الشغيلة الكادحة كانت دائما تخوض معارك لفائدة الغير، سياسيا كان أو نقابيا مصلحيا. الاتحاد المغربي للشغل الذي يتغنى به هذه الأيام أعضاء وقادة النقابة الحرة، وهم لا يعلمون أن المؤتمر التأسيسي الذي جرى يوم 20 مارس 1955 وقد شهد انتخاب الطيب بن بوعزة أمينا عاما للإتحاد المغربي للشغل، قبل أن ينقلب عليه المحجوب بن الصديق معترضا على الآلية الديمقراطية، ومبررا ذلك كونه الأجدر بمنصب الأمين العام، بل مهددا بتأسيس نقابة أخرى، إن لم يكن هو القائد والأمين والرئيس، بحسب ما أورده محمد عابد الجابري في مذكراته ومحمد الفقيه البصري في سيرته الذاتية. وبعد مرحلة الصدام أو التصادم بين الدولة وقيادة الاتحاد المغربي للشغل، تمت صفقة من نوع خاص. وهي الصفقة التي يوثقها محمد الفقيه البصري في ذات المصدر بالقول؛ "ومعلوم أنه وبعد وفاة المغفور له محمد الخامس وقعت صفقةٌ بين أحمد رضا كديره والمحجوب بن الصديق، وقد جاء المرحوم مولاي الحسن بن إدريس ليخبرنا قائلا؛ لقد تم بيعكم اليوم بفندق المنصور". وهو ذات الأمر الذي أكده محمد عابد الجابري في مذكرته؛ فعلا ورد الخبر إلى قيادة الاتحاد بالصفقة. وكانت تفاصيل دامغة: رقم الغرفة التي نزل فيها كديره، ورقم الغرفة التي نزل فيها الكاتب العام للإتحاد المغربي للشغل، والملايين التي دفعت...للأسف انتهى كلام الجابري والفقيه البصري، لكن الواقع النقابي لم ينته بعد. صحيح أن أسماء الفنادق قد تختلف وأرقام الغرف هي الأخرى قد تتغير، كما الأثمنة والفواتير، إلا أن النتيجة واحدة. ما يعني في الأخير أن خطابات المنصات وشعاراتها ليست بالضرورة أن تكون تلك المدينة النقابية الفاضلة كما سماها أفلاطون. غير أن أفلاطون نفسه جعل الإنسان أساس هذه المدينة، في حين أن نقابيي هذا الزمان يريدون من الإنسان ومن نضالاته أن تكون حصرا في خدمة النقابات وخدمة سدنة معبد النقابات.