يكاد يحصل الإجماع من قبل المهتمين و المشتغلين بالحقل البيداغوجي المدرسي على أن الحياة المدرسية تعد فضاء يمتلك بعدا زمكانيا تفاعليا، ينبني على مجموعة مبادرات تتأسس على معيار البرمجة والتخطيط المسبق على ضوء صياغة متقنة للأهداف، باعتماد المنهج الاستراتيجي الذي لا يترك مجالا فسيحا لاحتمالات الأخطاء، بل يستطيع تداركها قبل تناسلها، هي ممارسات وأعمال تضم مجموع الأنشطة داخل البيئة المدرسية بكل امتداداتها، مما يجعل هذا الفضاء بوابة للممارسة التربوية التي تعتبر مدخلا عاما للتنشئة الاجتماعية . بعدان أساسيان يتحكمان في بناء علاقة فاعلة وتفاعلية داخل المجال المدرسي : البعد التربوي، و يتأسس على الجوانب المعرفية والمنهجية، تحيينها باستمرار، كشرط أساسي يتم استحضاره، بعمق وبإلحاح، لتحقيق النتائج الجيدة، لكي تتمكن من مسايرة الحركية المتسارعة للظاهرة الإنسانية الخاضعة لمؤثرات داخلية وخارجية، بالإضافة إلى تحقيق الإنتاج المعرفي الذي لا حدود له، أما البعد الثاني، فيتمثل في الانضباط للمساطير القانونية و التنظيمية من قبل جل الأطراف المتفاعلة والمتدخلة، من خلال ضبط العلاقة مسطريا، وتجنب فسح المجال للاجتهادات التي قد تعطل سيرورة العملية برمتها، فتجعلها تسبح في فلك العشوائية و الارتجال . يحتم الوضع الراهن، بكل إكراهاته وتجلياته، أن نقف مطولا عند حدود المجال المدرسي ببعديه المتلازمين، إذ أن الوضع، بكل تأكيد، قد ساهم في إنتاج مجموعة ظواهر أدت إلى تعطيل مسلسل الإصلاح التربوي، على مستوى المنهاج والبرنامج أيضا، وفي أحيان كثيرة، فقد جعل من مقاربات الإصلاح محاولات لا جدوى منها، بسبب اتساع المسافة بين المقاربات التنظيرية والواقع المدرسي الفعلي، إضافة إلى غياب تشخيص ناجع، الذي يعود إلى أخطاء تقديرية راجعة أساسا إلى التركيز على جوانب وإغفال أخرى . من منطلق الدراسة الميدانية المبنية على المعاينة اليومية والمستمرة، فإننا لا بد من أن نسلم بجملة حقائق على درجة كبيرة من الأهمية، فهي حقائق من شأنها وضع اليد على مكامن الخلل الحقيقي في علاقة التربوي بالإداري، هذه العلاقة التي ينتج عنها تداخل وتشابك على مستوى المهام و الوظائف، إضافة إلى تعدد القراءات على مستوى النصوص المؤطرة أحيانا، وصعوبة استيعابها وتفسيرها أحيانا أخرى، بسبب صيغة العموميات والفضفضة، أو بسبب غياب الحنكة في التعامل مع وضعيات في أحيان كثيرة، مما يفتح الباب للتأويلات وتعدد القراءات التي غالبا ما تزيغ عن المسار الحقيقي، فيهدر الجهد والوقت، ويضيع الهدف . إن تداخل الاختصاصات وتشابكها عامل إيجابي ، يجعل من الممارسة البيداغوجية مادة خصبة، قابلة للاستثمار والتطور والإغناء والتقويم، لكن الواقع يجسد للنقيض، فبدلا من حسن استغلال التنوع و الارتباط بين العناصر المتفاعلة، و ضياع نقاط القوة، يتم إهدار الجهد والطاقات في أعمال خارج سياق المردودية والإنتاجية، كل هذه العوامل بإمكانها المساهمة في تعطيل الحياة المدرسية، كما يؤدي إلى تضارب على مستوى المسؤوليات والمهام، فينتج الاصطدام الذي قد يوصل الأمور إلى مرحلة يصعب معها العودة إلى الأصل، الأمر الذي جاء نتيجة عدم احترام الاختصاص، أوتغييب التحديد الدقيق في الأدوار، من هنا تأتي ضرورة ضبط المفهوم الحقيقي للواجب، أولا، ثم الالتزام به ليصبح أمرا حتميا . تتحكم سيادة الطباع، و طغيان المزاجية، في توجيه الأمور إلى منحاها السلبي، فأحيانا تغيب الرزانة والثبات، فيصير الحكم الفاصل في توجيه عناصر الحياة المدرسية هو الالتزام بمقتضيات النصوص وروحها، أما اعتماد النهج البيداغوجي السليم فيتم إنتاجه انطلاقا من الوعي بحجم التبعة الملقاة على عاتق المسؤول التربوي، فسوء تقدير الالتزامات المرتبطة بالمهمة المنوطة يؤدي بالضرورة إلى ضياع الفاعلية، فتضيع المصلحة العامة و تعم الفوضى . من المؤكد أن الالتزام بحدود الاختصاص، واحترام النصوص من قبل أطراف العلاقة، شرط أساسي يضمن الحفاظ على جوهر العلاقة داخل الحياة المدرسية، ويجنب التأسيس لمرحلة الأزمات، التي تعد مناسبات لخلق جو لا تربوي يحول دون تحقيق الحد الأدنى من الأهداف، فالمطلوب في الممارس للبيداغوجيا: الإلمام ببرامج الإشراف وأساليبه، اعتماد ثلاثية المسار: التخطيط، التقويم، التتبع، اكتشاف الميول والرغبات والعمل على حسن استثمارها، توجيه الامكانات المتوفرة وخلق التحفيز والاستعداد، العمل على القضاء على نقاط الضعف بخلق البدائل، وحسن ترشيد وعقلنة نقاط القوة، تعديل أساليب التدريس وجعلها مناسبة لتحقيق القدر الكافي من الأهداف، اعتماد خطة عمل واضحة الصياغة وسلسة التنزيل، التحفيز على التعاون الإيجابي، أساسه الثقة المتبادلة، ومن تجلياته صناعة خلية دينامية تعمل في انسجام تام، حضور الرغبة في التضحية يتوقف على الاستعداد النفسي، العقلي، والاجتماعي، ويتأسس على معيار تكافئ الفرص . إن العيب المجحف والخطير، هو حضور المؤهلات التخصصية بقوة، تربويا وإداريا وعلميا، لكن افتقارها إلى عدالة التوزيع وكفاية الأداء يجعل الأمر شاقا لأجل إنجاح مهمات الإصلاح، تلك التي تعد عسيرة، خاصة حين يتم استحضار جوانب وإغفال أخرى على درجة كبيرة من الأهمية، الأمر الذي يحتم العمل على خلق الانسجام والتناغم والتفاعل بين البعدين الهامين: التربوي والإداري بكل تجلياتهما .