قد يبدو في الأمر الكثير من العبث إذا أنا ما حاولت أن أدافع عن نقابات التعليم، في هذه الظرفية الحساسة والمعقدة، المتسمة برفض الأساتذة الشبه المطلق للحوارات واللقاءات التي تجريها اللجنة الحكومية مع النقابات الأربع، المتهمة بخيانة الجماهير الأستاذية وباقي مكونات منظومة التعليم، عبر توقيعها لاتفاق 14 يناير ومؤخرا اتفاق 10 و26 دجنبر... فهل يمكن حقا أن نحاكم هذه النقابات بتهمة الخيانة والانقلاب على حقوق ومكتسبات الشغيلة التعليمية أم أن للأمر وجه آخر يصعب على الشغيلة التعليمية تقبله؟ حتى نجيب على تساؤلنا هذا يجب بداية أن نوضح أن لكل كيان حزبي أو نقابي رهانا أساسيا هو الرهان الانتخابي، وعندما نقول الرهان الانتخابي فهذا يعني بالضرورة اللعب على واجهتين: واجهة الحكومة وواجهة الجماهير. لذلك يجب أن نفهم ونتفهم القرب الحاصل على مستوى العلاقات بين النقابات والحكومة، وهو لا يعني بالضرورة أن هذه الكيانات النقابية معادية للجماهير الأستاذية لأن الرأسمال الانتخابي لهذه النقابات هو مكونات الشغيلة التعليمية وأهمها 300 ألف أستاذ. لذلك هذا التباعد في وجهات النظر بين النقابات والأساتذة مرده إلى سوء فهم كبير سببته الوزارة الوصية أولا باعتمادها التنزيل العمودي والفرداني للنظام الأساسي وادعائها أن النظام تم صياغته بالشكل المتفق عليه مع النقابات الأربع وهو الأمر الذي تم نفيه لاحقا من طرف الزعماء النقابيين. وأيضا سببه انهيار جسر الثقة الممتد بين المواطن المغربي ككل وباقي الكيانات المنتخبة أحزابا كانت أو نقابات... خاصة تلك التي عرفت تاريخيا بتقارب وجهات نظرها مع توجهات الدولة. نقصد القول إن الاصطفاف النقابي لم يكن في يوم جريمة، ولا يمكن بأي حال أن نتهم من يمارس العمل النقابي بالخيانة مهما كانت خلفيته الفكرية والأيديولوجية، وهو ما اكتشفت مؤخرا أن التنسيقيات التعليمية تفهمه جيدا من خلال انفتاح، مثلا، تنسيقية الثانوي التأهيلي على التحاور مع مجموعة من الزعماء النقابيين للنقابات الأربع، المغضوب عليها. وهو انفتاح يزكي ما قلته سابقا عن كون النقابات تلعب على واجهتين، وهو أمر عادي وطبيعي إذا ما نحن نظرنا للأمر بشكل محايد. ضرورة اللعب على واجهتين تفهمه أيضا نقابة الجامعة الوطنية للتعليم التي تشكل أحد أطراف التنسيق الوطني للتعليم، قلت إنها تفهمه لأنها حاولت سرا وعلانية أن تعود لطاولة الحوار مع الحكومة ونجحت في ذلك إلا أنها فشلت في الحفاظ على توازن الواجهتين، إذ أنها بمجرد ما انفتحت على الحكومة حتى وصفتها الجماهير الأستاذية بالخيانة والانقلاب، ما اضطرها للعودة للخلف لتحتضن الجماهير من جديد بعد أن أضاعت عليها اللجنة الحكومية فرصة تحقيق ذلك التوازن. في الأخير نقول إن كل النقابات توجد على نفس الخط، وأنه لا يحق ولا يصح أن ننعت النقابيين بالخيانة ولا بالانقلاب فقط لأنهم يحاولون الحفاظ على توازنهم وتوازن كياناتهم. نضيف أيضا أن تحقيق الاستقرار في القطاع لن تتم إلا بتقارب وجهات النظر بين الأساتذة وبين هذه النقابات الخمس. لذلك أجدني مضطرا لأدعم الخطوة التي اتخذتها تنسيقية الثانوي التأهيلي بمحاورتها للنقابات، وأيضا أدعم خطوة النقابة الوطنية للتعليم بقبول الحوار مع اللجنة الوزارية برغم فشلها لأسباب لها علاقة بترضية الخواطر.