لا حديث اليوم في مدينة طنجة إلا عن أزمة حي بنكيران، وما سيتمخض عن الحوار الاجتماعي الذي انخرطت فيه الأطراف المعنية بحل هذا النزاع، أو إلى حدود أن تقول العدالة كلمتها في هذا الملف الشائك، ولكن ما أود أن أشير إليه في هذا الموضوع، كون أن هذه الأزمة، التي خلقها لوبي العقار في طنجة عامة، وفي الأحياء الشعبية على وجه الخصوص، جعلني أتساءل كما تساءل جل أبناء حي بنكيران: كيف لمالك العقار أن ينتظر أو أن يصبر خمسين سنة أو مائة سنة، على أبعد تقدير، دون أن يستفزه مشهد إفراغ الشاحنات لأطنان من الياجور والإسمنت في وعائه العقاري، ولم يلتفت يمينا أو شمالا؟ كيف يمكن استيعاب أن هضبة بنكيران لم تكن مخصصة للبناء أصلا كما وصل إلى علمنا لأسباب عدة، في حين أننا نرى ملاكها أو من أصبحوا أوصياء عليها، بطريقة أو بأخرى، وزعوها شبرا شبرا كأنها كعكة العيد، ضاربين عرض الحائط تصاميم التهيئة التي سطرتها الجهة الوصية في طنجة وما جاورها، ناهيك عن استباحتهم وسطوهم على عدة أراض بهذه المدينة، كانت في التصاميم السابقة مخصصة للمناطق الخضراء وما شابهها...ليتم تحويلها بطريقة أو بأخرى إلى عمارات شاهقة، حالت دون رؤية ساكنة طنجة زرقة البحر من أقرب نقطة. كما أن هناك أسئلة أخرى لا يسع المجال لاستعراضها أو طرحها، ما دام هناك من أفصح عنها من طرف الساكنة المتضررة، والمتضامنة مع هذه الأزمة الاجتماعية، يوم بُحت الحناجر تنديدا بالقرار الصادم، والمتمثل في مقاضاة شركة العقار المالكة لجزء مهم من تراب حي بنكيران، حسب ادعائها، لساكنة هذا الحي العريق. إن أزمة حي بنكيران التي أرخت بظلالها على مدينة طنجة وعلى باقي المدن المغربية الأخرى، إلى أن وصل صداها إلى خارج تراب المملكة، تفرض علينا أن نضع في حسبان لوبيات العقار في طنجة وغيرها، أنهم بجشعهم وتهافتهم على اقتسام التركة فيما بينهم، سيجر بلدنا إلى ما لا يحمد عقباه، والشاهد على ذلك ما يحدث اليوم في حي بنكيران، فبعد سبات عميق، أو سميه ما شئت، جاء من يهدد السلم الاجتماعي لمدينة طنجة، وللمغاربة قاطبة، يكفينا ما نتعرض له من مضايقات واستفزازات على المستوى الإقليمي ، يكفينا ما نعانيه داخليا من موجة الغلاء الفاحش الذي أفرغ جيوب المغاربة وقصم ظهورهم...يكفينا ما تتعرض له منظومتنا التربوية والتعليمية من ضربات موجعة يذهب ضحيتها أطفالنا وتلامذتنا، وكذا نساء ورجال التعليم على حد سواء، فأنا أصف هذا الوضع الكارثي الذي يعرفه قطاع التربية والتعليم في بلادنا بالانتكاسة، وهذا راجع إلى سوء تدبير الخلاف القائم اليوم من طرف الجهة الوصية، وينضاف إلى هذا كله مدى تأثر المغاربة بما يحدث في البلاد العربية، الشيء الذي ينبئ بحدوث كارثة إنسانية، لأن مسألة احتلال الأوطان وتشريد الأهالي لا تُواجه من طرف المظلومين والمقهورين وأصحاب الحقوق إلا بالدفاع عن أوطانهم بالدم والنار، لهذا ندعو كل من يريد أن يعبث بكرامة ساكنة حي بنكيران ، أن يعود إلى رشده، وأن يفتح قنوات الحوار الهادئ مع الساكنة تفاديا لحدوث كارثة اجتماعية ، فالمغرب اليوم لديه تحديات جمة، وبالتالي سيراهن على بعض الاستحقاقات الدولية والقارية ليرفع من منسوب التنمية في شتى المجالات، فلا داعي أن نجعل عجلة التنمية في بلادنا تعود إلى الوراء. إن مطالب ساكنة حي بنكيران وأنا واحد منهم نشأتُ وترعرعتُ بين أحضان أزقته، وتربيت على يد شرفائه، تتلخص جل مطالبها في تمتيعهم بظروف العيش الكريم، وتحقيق السلم الاجتماعي، وهذا لن يتأتى إلا بتأمين مساكنهم والانتصار لقضاياهم التي لا تقبل المساومة أو التسويف، فكلنا نراهن على دور الحوار الهادئ والمسؤول، الذي تبنته العديد من الأطراف الموكول لها إخراج هذا الملف الشائك من النفق المظلم، فلنا الثقة الكاملة في أبناء هذا الحي البررة، الذين لم ولن يدخروا جهدا في الدفاع عن قضايا ساكنة حي بنكيران بكل إخلاص ونكران للذات، كيف لا وهذا الحي يعج بالعديد من الطاقات والكوادر في شتى المجالات والتخصصات، ما يجعل حل هذه القضية تنحو منحى سلمي حضاري بعيدا عن التشنجات ولغة التصعيد، فلنا فخر أن ننتسب لهذا الحي الذي عرف بصموده وتضامنه وتآزره في السراء والضراء، فلنا في أفراحهم وأتراحهم نموذجا.