بالعقل والمنطق ما أسباب تأخر العرب إلى هذا الحد ؟ وما هو السبيل لتنعم أمة العرب بالتقدم والرقي الذي يحقق للإنسان العربي حياة كريمة من وجهة نظركم؟ هذه المسألة واضحة وضوح النهار، نحن العرب نُكثِر من الكلام إلى حدّ الإطناب، نُنشئُ مواضيع طويلة و عريضة، نملأ صفحات و صفحاتٍ نتحدّثُ فيها عن أشياء، في غالب الأحيان، لا يُصدقها العقل و لا المنطق، فنحن نتفنّن في الكتابات الإنشائية اللّامتناهية التي تأخذ منا وقتاً طويلاً و تفكيراً عميقاً، و لكن، للأسف، نفتقد للتطبيق العملي على أرض الواقع، نفتقد لترجمة أقوالنا إلى أفعال ملموسة، و هذا هو سبب من أسباب تخلُّفنا و انحطاطنا بين الأمم. فالغربيون يتحدّثون قليلاً و يُطبِّقون الكثير، فالعمل النظريّ بسيط كل البساطة و لكن إخضاع النظريّ لعملية التطبيق هو الأصعب و هو الأساس و هو المُهِمّ ، فالمدارس العربية في معظمها تعتمد على حشْو ذاكرة المتعلِّمين بدروس تعليمية نظرية و إغفال الجانب التطبيقيّ فيها الذي يُعتبر قُطب الرَّحى في فعل تربوي و تعليمي، و لهذا انحط تعليمنا و تقهقر المستوى الدراسي للطّلّاب و أصبحت مدارسنا تُخرِّج جحافل من الشباب لا يصلحون إلا لاستهلاك ما يأتي من البلدان الغربية، نحن قوم مستهلك فقط و لا ننتج شيئاً سوى الكلام الفارغ.. في الوقت التي تتقدّم فيها البلدان الغربية و تتطوّر تعيش البدان العربية انحطاطاً فضيعاً في كل الميادين و المجالات ، ففي غياب الديمقراطية و الحرية و العدالة الاجتماعية تضمحلُّ آمال الشعوب في تحقيق أية استراتيجية حقيقية من أجل السير ببلدانها نحو غد أفضل ، نحو ديمقراطية حقيقية تُخرجُها من هذه الأوضاع المُزرية التي تعيشها منذ أمد بعيد ، فالحكم الفردي التي تسير في نهجه هذه الدول جعل الشعوب تدفع الثمن غاليّاً ، فالفقر مُدقع و التعليم مُهترئ و مُتجاوَز و قديم لا يُساير مُتطلّبات العصر و طموح المواطنين ، و الصحّة التي تحتضِر لِغياب المشافي الحديثة و صآلة الأطقُم الطبية الكفْأة و التجهيزات الحديثة للعلاج ، بالإضافة إلى عدم توفُّر فُرص الشغل و انتشار البطالة في أوساط هذه المُجتمعات التي لا زالت تعيش في القرون الوسطى من حيث التنمية البشرية ، علماً هذه البلدان تتوفّر على ثروات طبيعية هائلة من بترول و فسفاط وذهب و غيرها من المعادن النفيسة و ثروات جدّ مهمة من الأسماك و الرخويات إلّا أن هذه الثروات الجمّة لم تُغيِّر من أوضاعها شيئاً نظراً لعدم مُحاسبة المسؤولين عن الأموال العامة لهذه الدول .. فمِن البديهي أن تنتشر في هذه المُجتمعات كلّ أنواع و أشكال الفساد الخلقي من دعارة و عهارة بين الشباب بالخصوص الذين لم يجدوا في أوطانهم ما ينتظرونه من عيش كريم و رفاهية كما يعيش أقرانهم في الدول الديمقراطية العظمى التي تهتم بشبابها و بموردها البشري عموماً ممّا جعلهم يُفكِّرون دائما في الهجرة إلى البلدان الغربية بحثاً عن العمل و العيش الكريم و الحرية التي فقدوها في بُلدانهم .