في الوقت الذي مازال فيه منسوب اليأس والاستياء يتصاعد في أوساط الشباب المعطلين، ومازالت تداعيات جدل الإعلان عن نتائج امتحانات نيل شهادة الأهلية لولوج مهنة المحاماة متواصلة، جراء ما وجه لها من اتهامات إن على مستوى ما طالها من خروقات شكلية وموضوعية، أو على مستوى ما قيل عنه من محسوبية وعدم مصداقية، وما تلا ذلك من احتجاجات التنديد والاستنكار والمطالبة بفتح تحقيق نزيه وشفاف للكشف عن الحقيقة كاملة، قصد تحديد المسؤوليات وإيقاع الجزاءات الجنائية والإدارية في حق المتلاعبين بالنتائج من المتورطين والمتواطئين معهم. فإذا بالرأي العام الوطني يهتز لخبر إحالة الشرطة القضائية شخصين على أنظار وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط، متهمين بجريمة "النصب والمشاركة وانتحال صفة ينظمها القانون". ويتعلق الأمر هنا بزوجين، ينتحل الزوج صفة محام "مزور"، وتساعده الزوجة في أعمال النصب بمكتبه. وهو الذي كان يتردد بأريحية على المرافق القضائية ببذلته السوداء، واستطاع كسب عدة قضايا منها عشر قضايا بالمحكمة الإدارية، واحدة منها ضد المديرية العامة للأمن الوطني، وأخرى ضد المكتب الوطني للسكك الحديدية، قدر تعويضها بمبلغ 150 مليون سنتيما... وما كاد المواطنون يطوون صفحة "المحامي المزور" الذي تم القبض عليه متلبسا وإيداعه السجن، حتى طفت على سطح الأحداث قضية محامية أخرى مزورة بالدار البيضاء، حيث باشرت وكيلة الملك لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء يوم الاثنين 6 مارس 2023 الإجراءات الأولية لإيقاف المتهمة، التي ضبطت متلبسة بانتحال صفة ومباشرة إجراءات لفائدة موكلها المفترض بالمحكمة ذاتها، قبل أن تأمر بإحالتها على الشرطة القضائية والتنسيق مع نظيرتها بالمحكة الزجرية عين السبع، وذلك قصد تطبيق القانون في حقها. وإذا كان "المحامي المزور" المعتقل في الرباط لم يسبق له أن ترافع في قاعات المحاكم بالمغرب، ويكتفي في اصطياد زبائنه واستغلالهم بالاعتماد فقط على القيام بالإجراءات الإدارية الواجبة وحدها، متمثلة في تحرير مذكرات وكتابة طلبات وما شبهها، مستعينا في ذلك بزوجته التي كان يقدمها للزبائن على أساس أنها مساعدته، التي ظلت تتكفل بصياغة وكتابة المذكرات والطلبات وكافة الأوراق الأخرى... فإن "المحامية المزورة" التي تم ضبطها وسط إحدى الجلسات بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، كانت تستعمل بذلة من الطراز الرفيع أثناء مرافعاتها في الجنايات، وتقدم نفسها باسم "يسرى الوظاف" وهو غير اسمها الحقيقي كما تثبت ذلك الوثائق الرسمية، كانت دائمة الحرص على حضور ندوات التمرين وتحاول درء الشبهات عنها عبر ربط علاقات صداقة مع بعض المحامين، خاصة أنه سبق لها أن أدينت بثمانية أشهر حبسا في مدينة الجديدة، وما تزال موضوع مذكرة بحث وطنية. ترى من أين لها بكل هذه الجرأة؟ وكيف انكشف أمرها؟ الجدير بالإشارة هو أنه ما كان لها أن تقع في يد القضاء لولا نباهة أحد المحامين المتدربين بالدار البيضاء، الذي راوده شك حول صفتها الحقيقية أثناء وجوده معها بمكتب للإجراءات بكتابة الضبط وتبادلهما الحديث، إذ حاولت إيهامه بانتمائها لهيئة المحامين بالرباط، لكنه لم يلبث أن ارتاب لتصرفاتها وعدم الإدلاء ببطاقتها المهنية على غرار زملائها، مدعية أنها نسيت حملها معها، مما أدى به إلى الإبلاغ عنها وإشعار وكيلة الملك، التي بادرت في حينه إلى أمر شرطي المحكمة بإحضارها إلى مكتبها، للتأكد من هويتها والتعرف على الهيئة التي تنتمي إليها، بيد أنها سرعان ما انخرطت في البكاء والاستعطاف وطلب الصفح، متعهدة بعدم العود إلى هذا الفعل. فليس وحدهما المحاميان المزوران من قاما بانتحال صفة يعاقب عليها القانون وذات أبعاد خطيرة، إذ أنه وفي ظل تزايد معدلات الفقر والبطالة، تكاثر هذا النوع من الجرائم بشكل رهيب في مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة، لدرجة أن هناك من بات ينتحل وظيفة شرطي أو دركي أو رجل أمن سري أو طبيب عام أو طبيب أسنان أو موظف بالعمالة في قسم مراقبة الأسعار أو ممثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغيره كثير من الصفات والوظائف والألقاب، علما أن المشرع أفرد لهذه الجريمة فرعا كاملا في القانون الجنائي، تحت عنوان "جرائم انتحال الوظائف أو الألقاب أو الأسماء أو استعمالها بدون حق". وهكذا اعتبر المشرع في الفصل 380 من القانون الجنائي أنه من تدخل بغير صفة في وظيفة عامة، مدنية كانت أم عسكرية، أو قام بعمل من تلك الوظيفة، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، ما لم يكن فعله جريمة أشد. وينص الفصل الموالي 381 على "أن من استعمل أو ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العامة شروط اكتسابها، دون استيفاء الشروط اللازمة لحمل ذلك اللقب أو تلك الشهادة أو تلك الصفة، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين غرامة من مائة وعشرين إلى خمسة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد، وهناك كذلك فصول أخرى حول جريمة انتحال الصفة وهي: 382 و383 و384 و385 إننا وفي انتظار أن تقول العدالة كلمتها في حق المحاميين المزورين، ندعو كافة المواطنات والمواطنين إلى توخي الحذر والالتزام باليقظة، وحرص المسؤولين ببلادنا على ضرورة مضاعفة الجهود في اتجاه التصدي لمن تسول له نفسه العبث بالقانون، وإنزال أقسى العقوبات بكل المتورطين في مثل هذه الجرائم ذات العواقب الوخيمة على الفرد والمجتمع...