كشف تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، صدر أمس الثلاثاء 07 مارس 2023، احتكار مؤسسات صيدلية صناعية، لبعض الأدوية الأساسية، الأمر الذي يؤثر على عملية تحديد سعر البيع للعموم بأسعار معقولة، مشيرا في تقريره برسم سنة 2021 إلى أن 25 بالمائة من بين الأدوية التي يتم تسويقها في المغرب (1229 دواء) توجد في وضعية احتكار. وشدد المجلس سالف الذكر على أن مقارنة بين قائمة الأدوية "المحتكرة" وقائمة الأدوية الأساسية، أوضحت أن 315 دواء أساسيا يوجد في حالة احتكار، مما يعقّد عملية التفاوض مع المؤسسات الصيدلية المسوقة لهذه الأدوية لأجل تحديد سعر بيع معقول. كما سجل المجلس الأعلى للحسابات أن المؤسسات الصيدلية الصناعية لا تصرح جميعها بوضعية مخزونها الاحتياطي للأدوية في المدة المحددة لدى المرصد الوطني للأدوية والمنتجات الصحية، التابع لمديرية الأدوية والصيدلة، وهو الأمر ينطبق أيضا على المؤسسات الصيدلية الموزعة بالجملة. وأوضح المجلس الأعلى أنه لاحظ خلال مراقبة عمليات الإذن بالعرض في السوق ومراقبة وتحديد سعر بيع الأدوية بهدف التأكد من أن هذه العمليات تضمن توافر أدوية عالية الجودة وتمكن من تسهيل الولوج إليها اقتصاديا، خلال الفترة الزمنية الممتدة ما بين 2014 و2021، أن المرصد الوطني للأدوية والمنتجات الصحية "لا يتتبع بشكل منهجي مدى امتثال المؤسسات الصيدلية لإلزامية الاحتفاظ بالمخزون الاحتياطي من الأدوية". وفي نفس السياق، أكد المجلس سالف الذكر أنه تبين له خلال فحص البيانات التي قدمها المرصد، أنه لم يتم خلال سنة 2020 الاحتفاظ بالمخزون الاحتياطي القانوني لما مجموعه 666 دواء، وهو الأمر الذي أقرت به وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، التي أكدت أنه "لا يتم التصريح من طرف جميع المؤسسات الصيدلية الصناعية بوضعية المخزون وفي المدة الزمنية المحددة"، مشيرة إلى أن مديرية الأدوية والصيدلة تقوم بمراسلات تذكيرية وبعمليات تفتيش آنية، لهذه الغاية. ذات الوزارة، أكدت في ردها على ملاحظات المجلس، أنه يجب على المؤسسات الصيدلية إمداد مديرية الأدوية والصيدلة بكل المعلومات المتعلقة برقم المعاملات وجميع المعطيات حول الكميات المصدرة من الأدوية كمّا وقيمة، من أجل ضمان مخزون وطني كافي. أما في ما يتعلق بتطوير "الأدوية الجنيسة" بالمغرب، أوضح تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن الإطار القانوني المعمول به، لا يحفز بشكل كاف على دخول الأدوية الجنيسة إلى السوق الوطنية، لأسباب قال المجلس أنها مرتبطة بمدة براءة اختراع الأدوية الأصلية (ما بين 20 و25 سنة) والتي تبقى طويلة نسبيا بالمغرب مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن الفترة تحدد، على سبيل المقارنة، في عشر سنوات بجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وفي سياق آخر، لاحظ المجلس أن مسألة منع تسويق أي دواء جنيس بسعر بيع للعموم أعلى من سعر بيع الدواء الأصلي تشكل عائقا أمام دخول الأدوية الجنيسة للسوق الوطنية، مشيرا إلى أن المؤسسات الصيدلية الصناعية تستخدم أحكام المادة 5 من المرسوم رقم 2.13.852 الذي يحدد سعر كل دواء جنيس مصنع محليا أو مستورد على أساس السعر المرجعي الأقصى، لوضع حواجز تحول دون ولوج الأدوية الجنيسة إلى السوق، وذلك من خلال خفض سعر بيع الأدوية الأصلية التي انتهت مدة براءة اختراعها إلى مستوى غير مربح لمصنعي الأدوية الجنيسة. ذات المجلس أوضح أن مقارنة هوامش ربح المؤسسات الصيدلية الموزعة بالجملة والصيدليات المعتمدة بالمغرب مع تلك المعتمدة في البلدان المعيارية، التي قام بها المجلس خلال الفترة من 2014 و2021، أظهرت أن هوامش الربح المعتمدة في المغرب مرتفعة نسبيا. وفي هذا الإطار، أكد المجلس الأعلى أن هوامش ربح المؤسسات الصيدلية الموزعة بالجملة، تتفاوت بين 11 بالمائة بالنسبة للأدوية التي يكون ثمن مصنعها، دون احتساب الرسوم، أقل أو يساوي 588 درهما، و2 بالمائة بالنسبة لباقي الأدوية، أما على مستوى الصيدليات، فتتراوح هذه الهوامش بين 47 بالمائة و57 بالمائة بالنسبة للأدوية التي يكون ثمن مصنعها دون احتساب الرسوم أقل أو يساوي 588 درهما، في حين سجل المجلس أن الأدوية التي يزيد سعر تصنيعها عن 558 درهما تتراوح هذه الهوامش، بين 300 و400 درهما لكل علبة. ويرى المجلس سالف الذكر أن هامش الربح (ربح الصيدلي) في المغرب، المطبق على الأدوية التي يكون ثمن المصنع دون احتساب الرسوم، أقل أو يساوي 166 درهما، 57 بالمائة، بينما لا يتجاوز 25 بالمائة في تركيا على سبيل الذكر، و 5.58 بالمائة في البرتغال، و21.4 بالمائة في فرنسا، و 6.42 بالمائة في بلجيكا، مشيرا إلى أن عمليات المقارنة كشفت أن نسبة الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على الأدوية بالمغرب عالية، مقارنة بدول أخرى. ولتجاوز هذا الوضع، أوصى المجلس الأعلى للحسابات في تقريره، بضرورة العمل على تطوير الصناعة المحلية للأدوية لتأمين حاجيات السوق الوطنية من الأدوية ومكافحة الاحتكار، قبل أن يشدد على ضرورة إعداد سياسة دوائية وطنية ترتكز على تحفيز الإنتاج المحلي للأدوية والحرص على تتبع تنزيلها، مع ضرورة تعزيز استقلالية وحكامة وموارد مديرية الأدوية والصيدلة لتمكينها من أداء دورها المتمثل في مراقبة وتتبع قطاع الأدوية بشكل فعال. ودعا المجلس، في ختام تقريره إلى الحرص على إنشاء آليات تحفيز وتطوير دخول الأدوية الجنيسة إلى السوق الوطنية، ومراجعة عملية تقييم الاحتياجات الدوائية بصفة منتظمة.