لا تكاد تنتهي "الأزمة" بين الرباطوباريس حتى تظهر بوادر أخرى تعيق وتحول دون التقارب الدبلوماسي بين المغرب وفرنسا. فبعد "أزمة التأشيرات الصامتة" التي أرخت بضلالها على العلاقات الثنائية بين البلدين، عقب خفض فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة؛ لاحت في الأفق مؤشرات أزمة جديدة سببها موقف البرلمان الأوروبي الأخير من حرية التعبير وحقوق الإنسان في المغرب. هذا الوضع دفع عددا من المراقبين والمحللين السياسيين إلى التساؤل عن مصير العلاقات المغربية الفرنسية، في ظل الموقف الضبابي لباريس من ملف الصحراء المغربية وعدد من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك. نوفل البعمري، محام ومحلل سياسي، يرى أن "العلاقة المغربية-الفرنسية كانت دائما تعتبر علاقة تاريخية تجمعهما روابط سياسية واقتصادية وثقافية قوية"، مشيرا إلى أن هذا الوضع "جعل المغرب يصف فرنسا دائما بالحليف التقليدي". وزاد البعمري، وفق تصريح له خص به موقع "أخبارنا"، أن "هذه العلاقة شهدت، في الفترة الأخيرة، توترا بسبب بعض الاختيارات الدبلوماسية والسياسية لفرنسا بالمنطقة، سواء منها ما يتعلق بالجزائر، أو بعدم توضيح الموقف وتطويره من القضية الوطنية، الذي بات المغرب يعتبره موقفا كلاسيكيا ومتجاوزا، بفعل تطور الملف على المستوى السياسي". "فرنسا وهي تقوم بمحاولة استغلال التوتر الدبلوماسي القائم بين الجزائر والمغرب من أجل الضغط على المغرب؛ تتناسى أن هذا الأخير كان دائما وفياً للشراكة المغربية الفرنسية ومحافظاً على المصالح المتبادلة بين الطرفين على مختلف المستويات"، يشرح المحلل السياسي. ولفت المحامي نفسه إلى أن "المغرب لن يقبل بأن يتم المس بمصالحه الاستراتيجية والحيوية بالمنطقة ككل، لاسيما ملف الصحراء المغربية، خاصة مع الخطاب الملكي الأخير، الذي حدّد عبر الملك محمد السادس المنظار الذي ينظر به المغرب للخارج". المصدر عينه أردف أن "الموقف من ملف الصحراء المغربية هو المحدد في هذه النظرة، وفي اختيارات المغرب الخارجية سياسيا، اقتصاديا"، كاشفا أن "باريس بدا أنها لم تتقبل سياسة تنويع الشراكات التي أصبح المغرب يعتمدها، خصوصا مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم مع الهند والصين وروسيا والدول العربية وإفريقيا وأمريكا اللاتينية". وزاد البعمري أن "هذه الشراكات المتنوعة حوّلت المغرب إلى وجهة مفضلة لدى الرأسمال العالمي، بسبب الثقة التي يحظى بها خارجيا، وهو ما يبدو أنه أزعج فرنسا التي كان عليها أن تستوعب أن المغرب بلد مستقل وغير تبعي دبلوماسيا". وبخصوص مستقبل العلاقة بين الرباطوباريس؛ شدّد المحلل السياسي ذاته أن "مصيرها (العلاقات) تحددها المواقف الفرنسية مستقبلاً من القضية الوطنية، ومن مجموع الشراكة التي تجمعهما".