في ظل الخطوة غير المسبوقة التي قام بها قيس سعيد باستقباله لزعيم البوليساريو الانفصالية استقبالا رئاسيا خص به هذا الأخير والذي فاجأ الشعب المغربي كافة، باعتبار العلاقات الأخوية والمتجدرة في التاريخ التي تجمع البلدين، والتي لاشك خدشت بهذه الخطوة العدائية من طرف الرئيس التونسي، وبالرجوع إلى تاريخ العلاقات بين المغرب والتونس التي عرفت عموما جوا هادئا، منذ استقلال البلدين، رغم ماكان من الرئيس الراحل لحبيب بورقيبة من مزاجية في التعامل مع المغرب في فترة من الفترات وبأسباب مختلفة كان مصدرها دول الجوار لتونس، الا أنه سرعان ما توافق على اتجاه واحد في العلاقات مع المغرب وعدم استفزازه والركون إلى الحياد ، خاصة في ملف قضية الصحراء المغربية، دون أن لا ننسى دعم المرحوم الملك الحسن الثاني في الكثير من الأمور لتونس ، لتعرف بعد ذلك العلاقات المغربية والتونسية أفضل مراحلها، حيث تميزت فترة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بالهدوء والود وتبادل الزيارات والتعاون في مختلف المجالات وعمقت العلاقات الأخوية بين البلدين، إلى حين الاطاحة به، بما يسمى بثورة الياسمين، لتعرف تونس بعد ذلك مشاكل سياسية واقتصادية وعدم استقرار وعدم وضوح الرؤية في التوجه العام الذي يعبر عن ارادة وطموح شعبها، حيث تعاقب كم من رئيس للدولة بعد ذلك، ولم تتأثر العلاقات مع المغرب بأي شكل من الأشكال؛ بل عبر المغرب كم من مرة عن تضامنه مع تونس واكد على وحدتها واستقرارها، والرجوع إلى العمل بالدستور وعدم زعزعة امن تونس أو تقويده، بالاضافة إلى التعاون الاقتصادي، ولعل زيارة الملك محمد السادس لتونس والتي مكث فيها ما يقارب 10 ايام تجول في مختلف شوارع العاصمة بدون بروتوكول وحراسة رسمية لدعم تونس وانعاش السياحة فيها، خاصة بعد اضطرابات امنية ارهابية عرفتها البلد انذاك، الشي الذي شجع الكثير من السياح على زيارة تونس بسبب هذا الموقف الملكي النبيل، وهكذا كانت العلاقات بين البلدين اخوية وودية، إلى حين انتخاب الرئيس الحالي ، الذي أظهر منذ الوهلة الأولى اشارات غير ودية اتجاه المغرب، وخص الجزائر بزيارته الأولى الخارجية، حيث تبعها ما تبعها من أمور كان اولها امتناع تونس عن التصويت للقرار الأممي رقم 2602 حول الصحراء المغربية، تبعها جفاء سياسي صامت حتى قام الرئيس التونسي المثير للجدل بهذه الخطوة الخطيرة باستقباله لزعيم البوليساريو ببروتوكول رئاسي غير مسبوق بالرغم من عدم اعتراف تونس بها، ولا يوجد أي ارتباط دبلوماسي بينهما، وهذا ما يطرح التساؤل حول سبب هذا الاستقبال للجبهة الانفصالية، هنا يمكن تفسير هذه الخطوة للجانبين أساسين : أولهما الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد منذ زمن، والتي لم تستطع الحكومة الحالية المسيرة بشكل مباشر من "قيس سعيد" أن تلقى لها حلولا جدية، حتى أصبحت الدولة على حافة الافلاس، ومما زاد طين بلة ،الاحتجاجات المستمرة الساخطة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلد، والأمر الأخر هو الجانب السياسي المرتبط بشخص الرئيس الحالي، الذي أثار الكثير من الجدل واللغط منذ انتخابه رئيسا لتونس، في ظل مقاطعة واسعة للانتخابات الرئاسية للشعب التونسي انذاك، حيث اقدم على العديد من القرارات التي عصفت بالمؤسسات السيادية للدولة والمنتخبة، بحله للبرلمان المنتخب بشكل ديمقراطي، واقالة الحكومة في تجاوز واضح للدستور التونسي واحتكاره للسلط ، بالاضافة إلى تدخله في عمل القضاء، وشنه حملة اعتقالات واسعة في صفوف المعارضة، وللتغطية على الوضع المتأزم في البلاد عقد صفقة مع الجزائر من أجل ضخ أموال في ميزانية الدولة وكذا تقديم بعض المساعدات لتونس، وبطبيعة الحال مقابل استفزاز المغرب في صحرائه، والقيام بأي عمل غير ودي اتجاهه، وهو ما قام به بالفعل في المؤتمرالياباني الأفريقي الثامن للتنمية، وبالرغم بعدم اعتراف اليابابان بالكيان الوهمي، وأن الدعوة الموجهة إلى الدول المعنية ترسل بشكل حصري ومشترك من طرف اليابانوتونس، والتي تعترف بها اليابان فقط. وهو ما اكده بيان وزارة الخارجية المغربية في رد على كل المغالطات التي جاءت من تونس حول هذا الاستقبال، كما استدعى المغرب سفيره للتشاور في رده على هذه الخطوة الاستفزازية من تونس. لتشهد العلاقات بين البلدين منعطفا خطيرا بسبب التصرفات غير المسؤولة من نظام قيس سعيد " المنقلب على الشرعية " اتجاه المغرب. أما بالنسبة للسيناريوهات الممكنة فإنها لا تخرج عن ثلاث احتمالات، أولهما : استمرار الأزمة والتصعيد وتعنت الرئيس التونسي على مواقفه الغير الودية اتجاه المغرب، وهو ما سيشكل في نظري انتحارا سياسيا لقيس سعيد لأن تداعيات هذه الأزمة سترخي بظلالها على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وستكون التكلفة باهظة لتونس. السيناريو الثاني : تراجع الرئيس التونسي على مواقفه السلبية اتجاه المغرب واعادة دفئ للعلاقات مرة أخرى وتصحيح وتقويم الوضع الحالي إلى خطوات أكثر ايجابية مع فرض آلية دبلوماسية لعدم تكرار هذه السلوكات الاستفزازية . أما السيناريو الثالث : أن تبقى العلاقات بين البلدين في حالة توثر وتعليق للعلاقات الدبلوماسية لمدة من زمن أو إلى حين تغير النظام الحالي المخيب لأمال الشعب التونسي، حيث استطاع بشكل سريع خلق عدوات مجانية مع الأصدقاء والأشقاء على حساب مصلحة تونس العليا، والتي كانت تنتهج موقفا محايدا مع جميع الأطراف والتي كان من المفترض أن تكونا وسيطا ذو مصداقية لحل الخلافات في دول المغاربية في إطار السعي نحو وحدة المغرب الكبير. إن قرأتي للأزمة الحالية وفي ظل انغماس تونس قيس سعيد في التقرب للجزائر من أجل الاستفادة منها اقتصاديا ، مقابل تقديم تنازلات كبيرة على المستوى السياسي، سيكون له تداعيات سلبية على تونس، وعلى علاقات بالدول الشقيقة بإعتبار أن الجزائر أصبحت لاعب مهم حاليا في ساحة التونسية، بسبب فشل النظام الحالي التونسي في فرض السيادة الوطنية على مجموعة من القرارات الداخلية والخارجية، وعدم وضوح رؤية " قيس سعيد " في السياسة الخارجية ليلتجأ في الأخير إلى الحل الأسرع وهو التقرب إلى الجزائر، والاستفادة منها كيف كان الثمن الذي تقدمه تونس، ويبقى المتضرر الأخير هو الشعب التونسي الذي أبان عن رفضه لخطوات قيس سعيد والتي تزيد تعميق الخلاقات واثارات القلاقل بين الدول الشقيقة، بالشيء الذي سينعكس سلبا على عيشهم واستقرارهم.