السعي إلى خداع المستهلك في المغرب من قبل مقدمي السلع والخدمات، يمتد من التلاعب في تاريخ الصلاحية والتدليس في الإشهار والإمعان في العمل بعقود الإذعان التي تسلب المستهلك أي حق في التعبير عن إرادته، غير أن أفدح الممارسات التي تنطوي على أخطار كبيرة على صحة المستهلك، تتمثل في التلاعب في مكونات الغذاء، حيث يوحي الجشع لبعض الباحثين عن الربح السريع بدس بعض المواد الخطيرة في بعض الأغذية التي لا غنى للأسر المغربية عنها.. وضع يذكيه غياب المراقبة التي تنام أعينها فاسحة المجال أمام تنامي ممارسات يبدع أصحابها في النيل من المستهلك. سموم في التوابل لم تكف الجمعية المغربية للمواد المجففة والتوابل، في السنوات الأخيرة، عن دق ناقوس الخطر، فهي تعتبر أن التوابل والبهارات، التي تعتبر سر المطبخ المغربي، تتعرض للغش في المغرب، على اعتبار أن 95 في المائة منها يصنع خارج المعايير، علما أن المغاربة يستهلكون 22 ألف طن من التوابل، ويصرفون عليها 140 مليار سنتيم، فالفلفل الأحمر المعروف ب«التحميرة»، الذي يصل الاستهلاك منه إلى 6 أطنان، يعد في ظروف غير صحية، حيث لا تراعى الشروط الفيزيائية والكيماوية التي يوجبها القانون، فثمة من يعمد إلى طحن الفلفل الأحمر بآلات تستعمل لطحن الأعلاف، ثم يضيف نسبة من الزيت تتجاوز المعدل الذي يجيزه القانون، وهناك من يلجأ إلى إضافة الدقيق من أجل الزيادة في الوزن، ثم يضيفون إليها ملونات حمراء، تلك مادة يحقق فيها المغرب اكتفاءه الذاتي عبر الإنتاج المحلي، غير أن الغش يطال التوابل المستوردة أيضا، فالفلفل الأسود أو ليبزار يخلط ب«إيلان» أو«السميدة الغليظة»، ولا يتردد البعض عند سحق «القرفة» في خلطها بقليل من الفلين. غير أن الغش في التوابل و البهارات لا يبدأ من مرحلة التصنيع، بل يشرع فيه من مرحلة الاستيراد في بعض الأحيان، فبعض مستوردي القرفة يشترونها من «السيشل»، التي يصل فيها الطن الواحد إلى المئات من الدولارات عوض سريلانكا التي تباع فيها بآلاف الدولارات، وعندما يريدون شراء الزنجبيل يقصدون نيجيريا، حيث تشير التقديرات إلى أن 90 في المائة من تلك المادة المعروضة في السوق المغربي مصدرها ذلك البلد الذي لا يحظى الزنجبيل فيه بسمعة جيدة. لحوم سرية وفي السنوات الأخيرة، دأب بعض القصابة على إثارة الانتباه إلى الغش في توفير اللحوم الحمراء في المغرب، فالعارفون بسوق اللحوم يشيرون إلى ممارسة تتمثل في الغش في وزن الكبد، حيث يضخ فيه الماء المخلوط بالدم، بما يساعد على منحه وزنا لا يعكس الحقيقة، وبيع البصل والقزبر بثمن اللحم بعد إضافتهما للكفتة، وخلط لحم النقانق بالخبز وإخفاء ذلك بإضافة بعض الملونات الحمراء وتزوير ختم المصالح البيطرية. غير أن علي رامو، عضو الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء، يعتبر أن تلك الممارسات تعتبر تفصيلا صغيرا في سياق إنتاج اللحوم في المغرب، فقد نبه المهنيون في أكثر من مناسبة إلى سيادة الذبيحة السرية التي أصبحت لها معاقل خاصة بها، مما يجعل أرقام استهلاك اللحوم في المغرب غير دقيقة لأنها لا تدمج مساهمة الذبيحة السرية التي تصل في مدينة مثل الدارالبيضاء إلى 80 في المائة، تلك ممارسة شائعة في العديد من المناطق في مدينة كالدارالبيضاء، حيث يعمد المتعاطون لها إلى شراء الذبائح من الأسواق الأسبوعية أو تحت جنح الظلام عندما يتعلق الأمر بذبائح تنخرها الأمراض. فالذبيحة السرية تباع للمشتري دون أن تخضع للمراقبة البيطرية، بما ينطوي عليه ذلك من أخطار على صحة المستهلك، غير أن معاقل الذبيحة السرية ليست الوحيدة للحوم الحمراء، بل ترد على مدينة الدارالبيضاء مثلا كميات كبيرة من الأسواق الأسبوعية و من بعض المدن، حيث تنقل في غالب الأحيان في أكياس تفتقد للشروط الصحية الواجبة.. تلك ظواهر ما فتئت تنتشر في المغرب، وهو ما يرده بعض المهنيين في الدارالبيضاء إلى فشل التجربة التي انخرطت العاصمة الاقتصادية التي اعتمدت مجازر حديثة لم تمكن من تأمين حاجيات المدينة من اللحوم، بل إن إنتاجها تراجع مقارنة بما كان عليه الوضع سابقا.. «ماكياج الأسماك» ينصح بعض العارفين بخبايا بعض المطاعم، حتى تلك التي تحمل النجوم الخمسة، بتحري الجودة عند الرغبة في تناول الأسماك، فهم يشيرون من موقع المعرفة بمطابخ بعض المطاعم و الفنادق، إلى وجود ممارسات لا علاقة لها بسلامة المستهلك في التعامل مع الأسماك، فذلك المنتوج جد حساس وسريع التحلل إذا لم يتم حفظه بطريقة صحيحة، حيث يفقد الكثير من طراوته و تنبعث منه روائح تستدعي ألا يقدم للمستهلك، غير أن بعض المطاعم تعمد من أجل تضليل المستهلك وإخفاء تلك الروائح إلى الإكثار من التوابل عند إعداد الأسماك، حتى لا يفطن المستهلك لما شابها من ضرر قبل أن تقدم له..غير أن الغش في تجارة الأسماك لا يبدأ من المطاعم التي تقدمها للمستهلك.. بل يبدأ من العرض غير الصحي لها في الأسواق التي لا تتوفر على وسائل الحفظ، وتعدد الجمعية المغربية لحماية المستهلك وتوجيه المستهلك العديد من الأساليب التي يعمد إليها من أجل التدليس على المستهلك، حيث يخلط السمك الطري بالسمك الفاسد وعرض الأسماك المجمدة و تقديمها على أنها طرية ووضع الطحالب على الأسماك وصباغة خراشيم الأسماك الكبيرة بلون أحمر، بهدف خلق اليقين لدى المستهلك بأنها طرية، ناهيك عن الإمعان في رش الأسماك بالماء من أجل بث نوع من الطراوة فيها، بعد أن تكون قد نالت منها أشعة الشمس بسبب عدم حفظها بطريقة ملائمة. تدنيس الحليب الحليب هو المادة القابلة للغش بامتياز، فبوعزة خراطي، رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، يشير إلى أن الماء يضاف إلى الحليب، غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل تتم إزالة المواد الدهنية وتعويضها بمواد خطرة مثل بول البقرة أو مواد دهنية صناعية.. تلك ممارسة شائعة لدى الباعة المتجولين الذين يعرضون الحليب دون أن يكون خاضعا للحفظ، وينبه إلى أن الحليب غير المبستر وغير المعقم يهدد صحة المستهلك بالإصابة بأمراض خطيرة تنقل من الحيوان إلى الإنسان كداء السل والحمى القلاعية، غير أن الغش لا يتوقف عند حدود الحليب، بل يمتد إلى مشتقاته، من قبيل الزبدة التي تخلط بالبطاطس.. ويبدو أن لائحة المنتوجات الأساسية التي تتعرض للغش طويلة، فالأيادي العابثة بتركيبة بعض المواد والتي تدس السموم في غذاء المغاربة لم تستثن أي مادة، فهي تمتد إلى العسل والزيتون وبعض الفواكه والخبز.. الذي تجتهد بعض المخابز في خفض وزن المدعوم منه من قبل الدولة عبر صندوق المقاصة، حيث تعمد إلى خفض وزنه عن 200 غرام، الذي يفترض أن تلتزم به المخابر، ناهيك عن أن البعض منها يعمد إلى إعادة تدوير ما فضل من الخبز ودسه في الخبز الجديد الذي يقدم للمستهلك.