يظل هاجس حماية معاشات الأجيال المقبلة مع الحفاظ على المكتسبات المحققة من ضمن التحديات الجسيمة التي تؤرق بال الجهات المعنية والمسؤولة عن تدبير ملف أنظمة التقاعد في انتظار إرساء إصلاح شامل يروم إنشاء منظومة تقاعد من قطبين عمومي وخاص، وفق ما اقترحته اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد.
أما المتقاعد الذي كان يمني النفس بالاستفادة من فترة تقاعد مريحة تتوفر فيها شروط الكرامة والعرفان والوفاء لما بذله طيلة مساره المهني٬ فيجد نفسه أمام كابوس حقيقي ناجم عن الخطر المحدق بصناديق التقاعد على اختلاف أنواعها٬ ما يهدد مصدر رزقه الوحيد.
ويوضح رئيس قسم التقاعد بوزارة الاقتصاد والمالية، لطفي بوجندار٬ أن التحديات التي تواجه إصلاح أنظمة التقاعد تتمثل٬ أساسا٬ في كون المغرب يتوفر على أنظمة تقاعد مختلفة وغير متجانسة٬ ما يفرض بذل المزيد من الجهود لوضع أسس منظومة تقاعد منسجمة تضمن العدالة بين أجراء القطاعين العام والخاص، وما بين الأجراء وغير الأجراء.
كما أن فئة غير الأجراء والتي تمثل 67 في المائة من السكان النشيطين٬ يضيف بوجندار، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ لا تستفيد لحدود اليوم من أي تغطية في مجال التقاعد٬ ما يشكل تحديا كبيرا تواجهه اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، التي يتعين عليها المضي قدما لتمكين هذه الفئة من الاستفادة من التقاعد.
وعلى مستوى التوازنات المالية٬ أبرز بوجندار أن أنظمة التقاعد ستشهد صعوبات على مستويات مختلفة٬ سيما نظام المعاشات المدنية الذي سيعرف عجزا ماليا، ابتداء من السنة المقبلة٬ ما يستدعي التعجيل باتخاذ القرارات المناسبة والتوصل إلى صيغة توافقية بشأن الإجراءات الملحة التي يتعين القيام بها لتحيين الوضعية المالية لهذا النظام بما يمكن من ربح عشر سنوات من التوازن في أفق إكمال اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد لأشغالها، ووضع إطار لإصلاح شمولي يضمن ديمومة جميع أنظمة التقاعد على المدى الطويل.
وكان رئيس الحكومة٬ عبد الإله بنكيران٬ شدد في كلمة خلال اجتماع اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، أول أمس الأربعاء، بالرباط٬ على الشق الثاني من الإصلاح الذي يكتسي٬ برأيه٬ "طابعا استعجاليا من خلال إدخال إصلاحات مقياسية على نظام المعاشات المدنية الذي يوجد في وضعية أصعب بالنسبة لباقي الأنظمة لتقوية قاعدته المالية وتأخير بروز العجز فيه".
ويرى بوجندار أنه يتعين قبل القيام بالإصلاحات المنشودة في مجال إصلاح أنظمة التقاعد أخذ أولويات بالاعتبار٬ وتتمثل أساسا في العمل على توسيع تدريجي لتغطية التقاعد لفائدة فئة غير الأجراء٬ موضحا أن هذه الفئة غير متجانسة وغير منظمة ما يحتم على الدولة اتخاذ المبادرات اللازمة لجعلها أكثر تنظيما بما يسهل عملية توسيع التغطية، وبالتالي دمج هذه الفئة في النظام الجديد للتقاعد.
ومن حسن حظ المتقاعد٬ انتقال المطالب المتعلقة بإصلاح نظام المعاشات من هواجس فردية إلى تحديات جماعية، بعد أن تبنتها منظمات يجمعها هدف واحد٬ هو إحداث إصلاح جذري لأنظمة التقاعد٬ بما يضمن العيش الكريم للمتقاعدين ذوي المعاشات المتدنية الذين يضطرون إلى البحث عن العمل بعد إحالتهم على التقاعد مخافة الوقوع في براثن الفقر.
مصطفى الشناوي، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل٬ أكد، في تصريح مماثل٬ أهمية وضع نظام أساسي في مجال التقاعد يخضع لنظام التوزيع بالتعويضات المحددة عوض المساهمات المحددة في القطاعين العام والخاص، وعلى جعل النظام التكميلي للتقاعد إجباريا في القطاع العام واختياريا في القطاع الخاص حتى لا تتأثر تنافسية المقاولات.
وشدد المسؤول النقابي على ضرورة إيجاد حل "للأزمة الحادة نسبيا" التي يشهدها الصندوق المغربي للتقاعد مع إدراج الحل المتوصل إليه في إطار الإصلاح الشامل لأنظمة التقاعد.
وأشار إلى أن 33 في المائة فقط من السكان النشيطين من التقاعد٬ ما يستلزم إنجاز دراسة تمكن من اعتماد مقاربة دقيقة لتوسيع التغطية لفائدة غير الأجراء في شقيها المتعلقين بالتأمين عن المرض ومخاطر الشيخوخة ووضع تصور دقيق لحكامة المنظومة الجديدة للتقاعد في الجوانب المتعلقة بالتأطير والرقابة وتسيير هذه الأنظمة٬ وكذا الحفاظ على المكتسبات التي حققها الأجراء والمتقاعدون بالقطاع العام والقطاع الخاص وتحمل الدولة لمسؤوليتها على مستوى التمويل والتقنين.
وسعيا لتحقيق الأهداف المرجوة٬ قررت اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد العمل على الرفع من وتيرة اجتماعاتها للبت في نتائج عمل اللجنة التقنية كلما تقدمت في أشغالها