بعدما أن مضى على الغزو الروسي لأوكرانيا أكثر من 40 يومًا، لا تزال أسعار براميل النفط تشهد حالة من التذبذب وعدم الاستقرار في الأسواق الدولية، ومن أهم سمات حالة التذبذب هو عدم استقرار الأسعار عند نقطة معينة، الأمر الذي يشكل إرباكًا لميزانيات الدول والشركات الأخرى المهتمة بأسعار الطاقة، فضلًا عن أنها تضع كل من المستثمرين والمتداولين المهتمين بأسعار الطاقة في حالة ترقب للشراء والبيع، يذكر أنه في بداية الحرب الروسية الأوكرانية، سارع العديد من المستثمرين إلى تداول النفط الذي يعد من أثمن المعادن الموجودة في البورصات، وأهم مصادر الطاقة، وذلك لتيقنهم من أن أسعار الطاقة حتمًا ستتأثر بالأزمة الروسية الأوكرانية وبالتالي سترتفع وتدر المزيد من الأرباح عليهم. وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية والأمريكية فرضت جملة من العقوبات على روسيا لإعدام قدراتها المالية، هددت روسيا بأنها لن تقبل ثمن صادرات النفط بعملة الدولار الأمريكي، وأنها ستقبل المدفوعات مقابل صادرات النفط بعملة الروبل فقط. أسعار النفط تسجل أعلى قيمة لها سجلت أسعار البترول ارتفاعًا وصل إلى أكثر من 120 دولار أمريكي للبرميل الواحد، وجاء هذا الارتفاع المفاجئ بعد أن تعطل أحد أهم خطوط الأنابيب الحيوية في بحر قزوين والذي يمد الدول الأوروبية بالبترول من روسيا وكازاخستان، ويرجح الخبراء أن أسعار النفط قد تتجاوز حاجز ال 150 دولار للبرميل الواحد في حال استمر العطل في خط أنابيب النفط في بحر قزوين. وبالحديث عن الإحصائيات، فقد كشفت الصحيفة الأمريكية بأن هذا الخط الرئيسي يساهم في نقل أكثر من 66 مليون طن في النفط كل عام إلى الدول الأوروبية، ويرجح الخبراء أن سبب تعطل خط النفط متعلق بحالة تقلب الطقس، ولكن في حال تبين أن العطل الحاصل في خط الأنابيب متعمد من قبل روسيا، فمن المحتمل أن يقفز سعر برميل النفط إلى أكثر من 310 دولار أمريكي للبرميل الواحد، كما ستختلف كليًا أسعار أسواق الطاقة. النفط الروسي: هل يمكن تعويضه؟ وفقًا للتوقعات والتقديرات، فإن يبدو من الصعب للغاية الاستغناء عن حصة الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي والنفط والتي تقدر بأكثر من 5 مليون برميل كل 24 ساعة، وقد يزداد هذا العدد وفقًا للاستهلاك الأوروبي للغاز والنفط الروسي سواء كان ذلك للاستخدام المنزلي، أو الاستخدام الصناعي. في حالة الحرب الروسية الأوكرانية القائمة، كلتا الدولتين تحاولان تحقيق أكبر قدر من الأهداف الخاصة بها، وعلى الرغم من أن كلتا الدولتين ينظرون إلى التكلفة الاقتصادية نظرة أعتبار، إلا أنها ليست العصا الوحيدة التي تفرض نفسها على أرض الواقع، وقد تجلى ذلك في عدم دخول الولاياتالمتحدة ودول العالم الأوروبي حربًا مع روسيا من أجل الاستفادة لأكبر فترة ممكنة من الغاز والنفط الروسي قبل التوجه للبدائل المتاحة. الجدير بالذكر هنا، أن يمكن لمملكة العربية السعودية والإماراتالمتحدة تعويض العالم الأوروبي بنفس الكمية التي تقدمها روسيا من حصص النفط، ولكن تحمل تلك الدول أجندة سياسية مع الحكومة الأمريكية، ويبدو أنها كلاهم يود تسوية الأجندة مع بايدن قبل الحديث عن بديل محتمل. ومن المسلم به أن المملكة العربية السعودية قد صرحت قبل ذلك بأن النفط يجب ألا يكون سلعة سياسية، ويجب أن يكون النفط سلعة اقتصادية تنعكس أثاراها على المنتج والمستهلك. من الجلي أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا قد بدأت تدرس حاليًا العديد من الخيارات المتاحة للبحث عن بدائل حيوية للنفط الروسي، وتضع الولاياتالمتحدة كل من الإمارات العربية والسعودية على رأس أولويتها للاستفادة من صادراتها النفطية وزيادة معدل الكميات النفطية في الأسواق الدولية، وإنقاذ الموقف الأوروبي، ويأتي هذا بعدما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقبول المدفوعات لصادرات النفط بعملة الروبل الروسية وليس الدولار أو اليورو. ماذا لو أصبح سعر برميل النفط 300 دولار أمريكي؟ في الواقع أن ما يحدد سعر برميل النفط ووصوله إلى هذا المبلغ الباهظ هو حالة الصراع القائمة ومدى تصعيده، ولكن يبقى السؤال هنا، هل ستسمح الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة بأن يصعد سعر برميل النفط إلى هذه النقطة؟ بكل تأكيد سيكون الجواب هنا أن وصول سعر برميل النفط حاجز ال 300 دولار أمريكي هو إنذار لكارثة لا تحمد عقباها، خاصة وأن ذلك قد يؤدي إلى تدهور اقتصاد ليس فقط الدول الأوروبية والأمريكية، بل تدهور اقتصاد العالم ككل، كما وستتزداد معدلات الفقر والبطالة. والجدير بالذكر، أن الدول الأوروبية والأمريكية باتوا يتطلعون للبدائل الأخرى عن النفط الروسي خاصة مع انتهاء فصل الشتاء، ومن المتوقع أن تعلن الولاياتالمتحدة توقفها عن استيراد النفط والغاز الطبيعي الروسي خلال فترة قصيرة جدًا. التعاون العربي أمرًا حتمي كشفت الأرقام بأن العالم العربي يمتلك احتياطي يقدر بحوالي 25 بالمائة من صادرات العالم، إضافة إلى معدلات النفط الاحتياطي بأرقام خيالية من الغاز الطبيعي والبترول، ولكن ما يحدث من حالة صراع روسيا وأوكرانيا في في العالم الغربي، لا توحي إلى إمكانية التعاون العربي، سواء كان ذلك من خلال المؤتمرات أو الاجتماعات، أو غيرها. ومما لا شك فيه أن دول الخليج إلى جانب ليبيا والجزائر والعراق سوف تزداد غلتها في ظل استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية وزيادة حجم عائداتها من الصادرات النفطية، ولكن على الرغم من هذا الجانب الإيجابي، إلا أن تلك الدول ستدفع جزءًا من العائدات مقابل ارتفاع معدل التضخم العالمي.