إن من العقل و الحكمة ورجاحة الفكر والفطنة التبصر في وقائع الأمور وقراءة التاريخ المستور ولعله من العجب الشديد أن يدعي المرء الأخلاق وهو إلى الجنة تواق بينما يمشي بالنميمة في الأسواق ومن العجب أيضا أن يدعي المرء تشبثه بالإسلام وحبه لخير الأنام بينما هو في واقع الأمر يسبح بحمد الإمام . إن الإسلام جاء ليحكم ويسود ولذلك لا بد له أن يعود،ولكي يكون ذلك لا بد من توفر رجال يتكلفون بإعادته ويدافعون عنه بالنفس والمال والأهل والأحباب. هؤلاء الرجال هم ثروة الأمة وعمودها ومنهم انبثقت دولة الإسلام في المدينةالمنورة قبل أزيد من 14 قرنا وبسببهم وصل الإسلام إلى كل بقاع العالم ،و لم ينجحوا صدفة إنما فعلوا ذلك بصدقهم وإخلاصهم في حب الله وحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم . يقول رسول الله :"ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل". لكن ما بال رجال الإسلام اليوم وما بال جمعياتهم وأحزابهم وقد بدلوا تبديلا وخرجوا من السياق جملة وتفصيلا . ما بال البعض منهم للأمة نافق والبعض الآخر للبرلمان سابق والبعض الثالث لحب المال لاحق. ويبقى الربع الأخير ساكتا صامتا لا يُحرك ساكنا وفي أفضل الحالات يقدم الاستقالات وينتظر الهزات بعيدا عن الجبهات. لكن ما لهم والإسلام الصحيح الذي لا يعرف حلا وسطا ولا كلاما منمقا ولا يبغي من المسألة إلا حسما ولو تكلف الأمر هجر المال والأحباب. حين رفض زعيم العدالة والتنمية السيد عبد الإله بن كيران مشاركة حزبه "الإسلامي" في تظاهرة 20 فبراير بسبب أنه لم يتلق أي دعوة من الحركة المنظمة أولا وبسبب الغموض الشديد وشح المعلومات الواردة عن توجه الحركة إيديولوجيا. وقبل أن أجيب السيد عبد الإله أريد أن أذكره من منطلق إسلامي بحديث لخير الأنام. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت ". وقد كان دور الحلف نصرة المظلوم ورد المظالم إلا أهلها وقد أقر عليه الصلاة والسلام بالحلف وهو يعلم علم اليقين أن أعضاءه مشركون وملحدون وأغلبهم يكن الحقد الدفين للنبي العدنان. إن الخروج إلى بَدْل الخير والعطاء أو الدفاع عن المظلوم لا تحتاج إلى دعوة أو مناداة فذاك الصحابي الجليل قد قطع اعتكافه كاملا لمساعدة محتاج وذاك يقطع صلاة الفرض لإغاثة الملهوف وإن ذاك الخروج لا يتطلب معرفة التوجهات والبحت عن الإيديولوجيات طالما كان الهدف ساميا وحديث رسول الله يبين ذلك من دون أدنى شك. ومن عجائب الصدف أن الرجل الذي إتهم يوما الشيخ مطيع بإتخاد المواقف بشكل فردي يقوم اليوم بنفس ما قام به الشيخ قبل عقود مضت. ولعل المتسائل من أبناء أمة المغرب عن ضعف الحركات الإسلامية السياسية في البلاد رغم حب الشعب لهذا الدين إنما يتجلى في أن منطلق تلك الحركات كان فارغا من المحتوى والأهداف. فالحركات تأسست برعاية الحكومات وتحت إشراف المخابرات وحُددت لها الأولويات والمخطأ منا من يعتقد أن المستبد لا يستعمل مع الجماهير إلا أساليب التقتيل والترهيب إنما يستعمل أساليب أكثر فتكا ومنها صناعة الإسلام بماركة جديدة أو صياغة الأحكام بعلماء سوء باعوا دينهم بثمن بخس . ومخطأ من يعتقد أن كل من يتكلم باسم الإسلام مسلم بالضرورة فذاك عبد الله بن أبي بن سلول كان دائما يقف خلف النبي في الصلاة وهو من أكبر منافقي المدينة وذاك عبد الله بن سبأ كان يظهر الحب الشديد لعلي كرم الله وجهه وهو كافر منافق وقاتل لعثمان رضي الله عنه وأرضاه. إن الإسلام يا سادتي نزل من فوق سبع سموات لينهض بالبشرية، ولن ينجح في ذلك طالما لم يحكم ،ولن يصل إلى الحكم بتلك الشعارات الرنانة ولا المجالس الخاوية و الفارغة . إن الإسلام يا سادتي ليس مجرد كلمات أو دقائق وقفات إنما هو منهج كامل على الذي يدافع عنه أن يسير على ذاك المنهج ولا يُغيره قيد أنملة فهو ليس خاضعا لرئيس الحزب الإسلامي أو نائبه إنما قد وصلنا من رب العزة والجبروت. إن عدم وضوح الرؤى جعل تلك الجماعات تدخل في صراعات وهمية أو غير دقيقة فما بال القوم وحزب الهمة ،أولا نعلم أن هؤلاء العلمانيون في الشارع المغربي مفلسون ولا يستمع إليهم أحد حتى الأميون. لكن حقيقة الأمر أن الصراع ذاك لم يكن يوما من أجل مصلحة العباد والبلاد بل من أجل أشياء أخرى يعرفها الهمة ويعرفها بن كيران ويعرفها أناس آخرون بالتأكيد... وذاك الصراع _المفتعل_ لا يهم الجماهير لأن لا العدالة إن وصلت إلى الحكم ستغير ولا الهمة سيبدل وعليه فإن الذي يريد أن يقود تلك الجماهير عليه أن يتخلى عن ثوب الجبن وحب الدنيا وأن يلبس ثوب الإيمان وحب الآخرة. إننا لن نملك في المغرب أحزابا إسلامية قادرة على التغيير إن بقيت تلك القيادات "الإسلامية" ماسكة بالسلطة ومنُفًِذة لمناهج النظام، وطالما بقي الخوف يعشش في صدور القوم يكبلهم عن قول الحق وعن وضع الأصبع على الجرح مباشرة دون لف أو دوران . ولكي توجد تلك الأحزاب والتيارات عليها أن تحتوي على قيادات سليمة لم تصافح في يوم من الأيام أيادي ملطخة بالدماء ولم تجالس يوما أناسا لا مبدأ لهم إلا التسبيح بحمد السلطان ولم تقترض درهما واحدا من بنك ربوي . وحتى توجد تلك القيادات _وقد اقتربت ولله الحمد_ علينا أن لا نيأس من روح الله فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث جلل قال في خير الأنام :" إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها ".