قدَّم المسلمون الأوائل في بداية الدَّعوة الإسلاميَّة وحتى مراحل مُتأخرةٍ منها تضحياتٍ جسيمةً ومواقفَ عظيمةً في سبيل الله ونصرةً لدينه؛ فمنهم من ضحَّى بماله، أو بيته، أو مكانته بين قومه وأهله، ومنهم من بلغت التّضحية عندهم إلى التَّضحية بنفسه وروحه، وبذلهما في سبيل الله تعالى والثَّبات على دينه، وقد وعد الله تعالى من يضحِّي بنفسه في سبيله ونصرةً لدينه بثوابٍ عظيمٍ وأجرٍ كريم، كما في قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَفَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَيَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ). تعريف الشَّهادة الشَّهادة لغةً الشهادة في اللغة أصله من شهد، الشِّين والهاء والدَّال أصلٌ واحدٌ دالٌّ على الحضور والعلم والإعلام، فالمشهد أي المحضر من النَّاس، وشهد يشهد شهادةً أي أَعلم بما عنده أو بما رأه أو سمعه، والشَّهيد هو القتيل في سبيل الله تعالى، وسُمِّي بذلك لأنَّ ملائكة الرَّحمة تَحضُره، وقيل: سُمِّي بذلك لأنَّ الشهيد يسقط حين يقتل على الأرض، والأرض في لغة العرب تُسمَّى الشَّاهدة. الشَّهادة اصطلاحاً ويمكن تعريف الشَّهادة في الاصطلاح الشَّرعي بأنَّها القتال والقتل في سبيل الله تعالى، وأمَّا الشَّهيد فهو من مات من المسلمين في قتال الكفار أو بسببهم، وقد اختصَّ الله الشهداء بمنزلةٍ عظيمةٍ ومكانةٍ رفيعة، وأعدَّ لهم من الثَّواب والنَّعيم، ومن هذا الثواب والنعيم العظيم ما رواه المقدام الكنديّ -رضي الله عنه- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (للشهيدِ عندَ اللهِ ستُّ خصالٍ: يُغفرُ لهُ في أولِ دفعةٍ، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنةِ، ويُجارُ منْ عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ؛ الياقوتةُ منها خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتينِ وسبعينَ زوجةً من الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ منْ أقاربِهِ). أول شهيدٍ في الإسلام قد يكون من اللافت والمثير للعجب أن يكون أول شهيدٍ في الإسلام وبداية الدَّعوة الإسلاميَّة ومهدها امرأةٌ، ضحَّت بنفسها في سبيل الله وثباتاً على دينه، رغم قساوة ما لاقت من كفار قريش، ورغم ما كان عليه الإسلام والمسلمون في بداية الدعوة الإسلاميَّة من ضعف حالٍ وقلّةٍ عددٍ وعدم تمكين. سميَّةُ بنت الخيَّاط أو الخبَّاط كما أوردت بعض الروايات، أم عمَّار بن ياسر، هي أول شهيدةٍ في التاريخ الإسلاميّ، كانت سميَّة أَمَةً عند أبي حذيفة بن المغيرة، وكانت من أوائل المسلمين ومن السَّابقين إليه في بداية الدَّعوة، وقد عذَّبها أبو حذيفة بن المغيرة محاولاً ثنيها عن البقاء في الإسلام ومراوغاً لها لتكفر بالله تعالى وبنبوة النَّبيّ محمدٍ -عليه الصَّلاة والسَّلام-، فأبت ورفضت وبقيت ثابتةً عليه حتى قُتلت، ونُقل في بعض الروايات أنَّ الذي قتلها هو أبو جهل؛ حيث طعنها بحربةٍ، أي رمحٍ، في يده فقتلها، فكانت أول شهيدةٍ في الإسلام. وكذلك رُوِي أنَّها من السَّبعة الأوائل الذين أظهروا إسلامهم بعد رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وأبي بكر، وبلال بن رباح، وخبّاب بن الأرت، وصهيب بن سنان، وابنها عمار بن ياسر،وذكر الذهبي من السبعة الأوائل الذين أظهروا إسلامهم المقداد بن الأسود بدلاً من صهيب بن سنان. آل ياسر عُذِّبت سميَّة بنت الخياط -رضي الله عنها- من قِبل كفار قريش ونالها منهم عظيم الأذى، ولم تكن وحدها تخضع لهذا التعذيب والإيذاء النفسيّ والجسديّ؛ بل تعرّض زوجها ياسر وابنها عمار بن ياسر إلى العذاب والأذى من المشركين، ولاقوا في سبيل هذا الدين ما لقيت سُميَّة؛ فعمار ابنها كان من السابقين إلى الإسلام، ومن السبعة الأوائل الذين أظهروه، أسلم هو وصهيب بن سنان -رضي الله عنهما- في وقتٍ واحدٍ في دار الأرقم التي كان يجتمع بها المسلمون سرَّاً وخفيةً عن أعين كفار قريش، وروي أنَّ الله تعالى قد أنزل بعمار بن ياسر -رضي الله عنه- قرآناً؛ ذلك أنَّه تحت تعذيب كفار قريش وشدَّة إيذائهم له أمروه أن يسبَّ النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- ويذكر آلهتهم من الأصنام ويعليها، ففعل من شدَّة الألم الذي لحقه، وحزن على ما كان منه، وذهب بعدها للنَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- يحدِّثه بما كان منه، فسأله النَّبيّ عن قلبه، فأجابه بأنَّه مطمئنٌ بالإيمان، فأنزل الله تعالى قوله: (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ).وقد حسن إسلام عمار بن ياسر -رضي الله عنه-، وقدَّم للإسلام والمسلمين الكثير؛ فقد كان من المهاجرين إلى المدينة، وشهد مع النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- غزوات بدر، وأُحُد، والخندق، وبيعة الرضوان. كان كفار قريش يُعذّبون سميَّة وياسر وابنهما عمَّار -رضي الله عنهم- مُجتمعين على رمال مكّة الحارَّة في وقت الظهيرة، أي ذروة الحرِّ الشديد، ويمرُّ عليهم النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وهم على هذه الحال من الأذى والألم، فيُصبِّرهم ويُواسيهم ويُبشّرهم بالجنَّة،كما روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- : (أنَّ النَّبيَّ مرَّ بعمَّارِ بنِ ياسرٍ وبأهلِه وهم يُعذَّبونَ في اللهِ عزَّ وجلَّ فقال: أبشِروا آلَ ياسرٍ موعِدُكم الجنَّةُ). عن بيديا ويك