عندما تقرّر الحكومة المغربية الجديدة اعتماد جواز التّلقيح كوثيقة معتمدة لولوج المؤسسات والمطاعم والمقاهي والمحلات التجارية وقاعات الرياضة والحمامات والفضاءات العمومية فإنه لا بد وأن نتوقف لنطرح سؤالاً حول الغرض من هذا الإجراء في هذا التّوقيت بعد تراجع تدريجي لأعداد الإصابات بالفيروس ثمّ لماذا لم يتم اعتماد إلزامية التّلقيح وفضلوا إلزامية جواز التلقيح، وما تأثير هذا الإجراء على حرّية المواطنين التي يضمنها الدّستور ؟ في الوقت الذي كنّا ننتظر أن تُعلن فيه الحكومة الجديدة برئاسة السّيد أخنوش عن آليات إخراج الدّولة من الأزمات وعن مخطّطاتها فيما يتعلّق بإرساء دعائم الدّيمقراطية وحقوق الإنسان بعد ولايات حكومية عقيمة كانت وبالا على المغاربة جميعاً،خرجت علينا الحكومة فأعلنت عن قرار إلزامية التّوفر على جواز التّلقيح وقيّدت من حرّية المواطنين بشكل سافر يُعيدنا إلى الوراء لعقود من الزّمن.
لم نفهم بعد ما الغرض من هذا اللّقاح إذا كانت الدّولة المغربية على وشك الوصول الى المناعة الجماعية بعد تطعيمها حوالي 70 في المائة من الفئة المستهدفة. قد يبدو غريباً أن يتمّ اعتماد إلزامية جواز التّلقيح في الأماكن العمومية ، ولا يتم إعتماد إجبارية التّلقيح على المغاربة. ألا يمكن لهذا الإجراء أن يقود كلّ من يفكّر في هذا الأمر إلى الاعتقاد بأنّ قرار الحكومة باعتمادها إلزامية الجواز على إلزامية التّلقيح بصفة عامّة هو تهربٌ من المسؤولية في حالة حدوث ضررٍ بسبب هذا اللّقاح، لتجعل المُوّاطن في حيرة من أمره بين المطرقة والسندان، له الحرية في أن يختار ويتحمّل مسؤوليته في اختيّار اللّقاح، من جهة و من جهة أخرى مقيّد بضرورة استعمال جواز التّلقيح لولوج الإدارات والفضاءات العمومية في حالة ممارسة حرّيته في اختيار عدم التّلقيح . إذا كانت بالفعل الحكومة المغربية تهدف من وراء هذا الإجراء إلي تفادي العودة إلى التّجارب السّابقة وتفادي دخول أعداد كبيرة إلى أقسام الإنعاش مجدّداً حسب قولها. وإذا كان لديها كلّ هذا الحرص على صحّة المُوّاطنين، فلماذا لم تخرج على المغاربة صراحة وتعترف بمسؤوليتها في حال حدوث الأسوء لهؤلاء الّذين يرفضون التلقيح الآن والذين يجدون أنفسهم أمام الضبابية وعدم الوضوح من طرف من يقرّرون . صحيح أنّ هناك لجنة علميّة تُنذر بخطورة المرحلة وبضرورة اتّخاذ الإجراءات الاحترازية للخروج من الأزمة بأقلّ الخسائر، لكن ما موقف اللّجنة العلمية من ضحايا التّلقيح، لماذا لا يتمّ الحديث عن هؤلاء، ولماذا لم يجدوا جواباً لتساؤلاتهم حول ما محلهم من الإعراب بعد تعرّضهم للضّرر قد نتفهّم جميعاً إقدام السّلطات منذ بداية الجائحة على فرض بعض الإجراءات للتّصدي للوباء مع أنّها كانت قاسية وخاصة ما يتعلّق بتقييد حرّية التّنقل والسّفر ووقف بعض الأنشطة التي كان لها تأثير كبير على أحوال المواطنين. ولكن أن يصل الأمر إلى فرض جواز التّلقيح على المواطنين في الأماكن والإدارات العمومية بدعوى الخوف من تفشي الوباء الذي يعني فرض التّلقيح بطريقة غير مباشرة، هو اعتداء صريح على حرّية المواطنين واعتداء على الدّستور وعلى حقوق الإنسان. لأن الجسد في النّهاية ملك لصاحبه تبقى له سلطة اختيار التّلقيح أو رفضه، دون أيّ ضغط أو إجبار من طرف أي كان. مهما كان هذا القرار الّذي أقدمت عليه فإنّه يبقى قراراً يُقيّد من حرّية المواطنين ويضرب الدّيمقراطية في العُمق ويجعلنا نخشى على مستقبل حقوق الإنسان في هذا البلد السّعيد .
نتمنّى أن تُعيد الحكومة النّظر في قرارها هذا الّذي سيكون للأسف ضربة موجعة لكل المكتسبات في مجال الحرّية ولكل الشّعارات التي رفعتها الحكومة الجديدة وسيبقى وصمة عارٍ في جبينها إلى الأبد .