لاشك أن العلاقات المغربية الروسية عرفت تطورا كبيرا وملحوظا منذ سنة 2002 ، حيث شهدت المبادلات التجارية بين المغرب وروسيا تطورا كبيرا، لتتضاعف 12 مرة بين سنتي 2002 و 2010، لتنتقل من نحو مئتي مليون دولار أمريكي إلى أكثر من 2.5 مليار دولار أمريكي سنويا، مما جعل المغرب شريكا اقتصاديا كبيرا لروسيا على مستوى افريقيا والعالم العربي، كما شملت العلاقات المغربية الروسية مختلف الجوانب والقطاعات الحيوية.
وفي تقديري الخاص أن العلاقات المغربية الروسية ستتجه مستقبلا نحو المزيد من التطور والنماء، فالمنتوجات الفلاحية المغربية التي تدخل إلى الأسواق الروسية منتوجات تتمتع بسمعة طيبة، وتتميز بجودة عالية أكسبتها مكانة خاصة لدى المستهلك الروسي، كما أن السياح الروس تزايد توافدهم على المغرب كوجهة سياحية مميزة، وذلك قبل الجائحة العالمية، كما أنه من غير المستبعد أن يتجه المغرب مستقبلا إلى عقد صفقات عسكرية مع روسيا تخرج العلاقات المغربية الروسية من الأبعاد الاقتصادية والثقافية إلى البعد العسكري.
الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والموقف الروسي :
بعد إعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بمغربية الصحراء والسيادة الكاملة للمغرب عليها ،وتوجهها نحو تنزيل هذا الاعتراف في مختلف الأوجه والأبعاد السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية ، ظهر الموقف الروسي على لسان نائب وزير الخارجية الروسي معلقا على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ،حيث اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يتنافى مع القانون الدولي ،ويخرق قرارات مجلس الأمن الدولي ، ولعل هذا الموقف الروسي في تقديري الخاص كان منتظرا ومتوقعا وذلك لتداخل عدة عوامل وأسباب.
الموقف الروسي موقف براغماتي بامتياز :
السياسة باختصار مصالح ومكاسب وأهداف جيوستراتيجية كبرى، تستبعد في كثير من الأحيان الحق والمشروعية، لتجعل من لغة المصالح هي اللغة الأسمى، وعلى هذا النهج ذهب الروس، فما يربط موسكو بالجزائر العاصمة أكبر بكثير مما يربطها بالرباط ،فالجزائر تنفق سنويا بسخاء على السلاح الروسي، وتبقى في نهاية المطاف أول مستورد على صعيد القارة الافريقية للسلاح الروسي ،وخامس مستورد للسلاح الروسي عالميا ، كما أن روسيا تواجه منافسة شرسة على أسواق السلاح من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين وفرنسا ، ولا تمتلك أسواق بديلة جلية لتصريف السلاح الروسي، وكسب مليارات الدولارات، فالسوق الجزائري سوق استراتيجي لموسكو، ولهذا من الطبيعي أن تتبنى روسيا موقفا يزكي استمرار الصراع المفتعل في المنطقة بهدف ضمان استمرار سباق التسلح من جهة أخرى.
لاشك أن روسيا تريد من خلال موقفها أن تبعث رسالة للجزائر العاصمة مفادها أنه إذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تدعم المغرب ومصالحه الاستراتيجية كقوة سياسية مؤثرة في القرارات الدولية ، فإن روسيا كعضو دائم داخل مجلس الأمن الدولي ،وكثاني قوة عسكرية عالمية، ستقدم موقفا داعما للجزائر، وكأن روسيا تريد أن تظهر بمظهر القوة العالمية المواجهة والممانعة للولايات المتحدةالأمريكية وقراراتها، وهذا التوجه لا يخلو من حنين لزمن الحروب الباردة والتجاذبات الايديولوجية والقطبية الثنائية.
في تقديري الخاص روسيا ببساطة شديدة تريد أن تنهج سياسة تميل للموقف الجزائري الجامد خدمة لمصالحها التي تربطها بالجزائر ،لكنها في نفس الوقت لا تريد الدخول في صراع مع المملكة المغربية، بل تريد الحفاظ على الحد الأدنى من الود السياسي مع الرباط مع استمرار الميل للطرح الجزائري ولعل حياد روسيا وامتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير حول القضية الوطنية خير مثال على ذلك، وذلك نظرا لأن موسكو تربطها أيضا علاقات ومصالح مع الرباط ترجع لسنة 2002 عندما تم توقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية الروسية المغربية ،مرورا بعدة اتفاقيات تعاون مابين موسكووالرباط وقعت سنة 2016 شملت عدة مجالات بالاضافة إلى اتفاقية الصيد البحري الروسية المغربية، مما سيجعل روسيا تستبعد في تقديري ما يمكن أن نسميه بسياسة كسر العظام، حيث أن روسيا من المستبعد أن تلجأ لاستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد مصالح المغرب ،حفاظا على مصالحها مع المغرب من جهة والحد الأدنى من الود السياسي معه ، وتجنبا للدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن وحلفائها.