فيما يسود جوّ من الارتياح في بروكسلولندن إثر التوصل إلى اتفاق تجاري يحدد طبيعة العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، يبدو مستقبل جبل طارق، المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي والتابعة لبريطانيا، أكثر ضبابية. وجبل طارق التي تعرف بالعامية البريطانية باسم "الصخرة" لم يذكرها الاتفاق التجاري الذي توصل إليه مفاوضو الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ليلة الميلاد، وذلك بعد سنوات شاقة من المفاوضات التي تلت استفتاء "بريكست". وتتميز جبل طارق بموقع استراتيجي، وتقع جنوبي إسبانيا، وبالتالي فهي متداخلة جغرافياً مع شبه الجزيرة الإيبيرية. تاريخياً، سلّمت المنطقة للعرش البريطاني في 1713 ما أتاح للبحرية الملكية ربطَ المتوسط بالأطلسي خلال ثلاثة قرون. حدود بريطانية برية مع إسبانيا وفي حال لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق يحدد مستقبل المنطقة، فإن ذلك سيطرح مسألة "فرض الحدود" مجدداً بين إسبانيا وبريطانيا بدءاً من الأول من كانون الثاني/يناير، ما سيهدد مستقبل آلاف العمال والسياح والأعمال التي كانت حتى الآن تنتقل بحرية كاملة بين إسبانيا وجبل طارق. هناك نحو 15 ألف شخص يعيشون في إسبانيا ويعملون في جبل طارق، ما يشكل تقريباً 50 بالمئة من "قوة العمل" في منطقة الحكم الذاتي، وهؤلاء يعبرون الحدود نحو 30 مليون مرّة سنوياً.
الموقف الإسباني لم تتخلَّ إسبانيا يوماً عن المطالبة بفرض سيادتها على جبل طارق، وفتحت النقاش في المسألة خلال مفاوضات بريكست، حيث تقول سلطة مدريد إن تحديد معالم مستقبل المنطقة يجب أن يتمّ عبر استشارتها. ونجحت إسبانيا في إقناع المفوضية الأوروبية بفصل مسألة جبل طارق عن المفاوضات التجارية الأخيرة بشأن بريكست بشكل كامل خلال الأشهر التسعة الماضية، وهذا يعني أن مدريد تدير حالياً شؤون المفاوضات بطريقة مباشرة مع لندن وجبل طارق، على أن الموعد الأقصى الممكن للتوصل لاتفاق هو الأول من كانون الثاني/يناير. وحذّرت الخارجية الإسبانية من أن عدم التوصل إلى اتفاق سيعيد تكرار مشهد الشاحنات العالقة على الحدود البريطانية-الأوروبية. وكررت وزيرة الخارجية أرانتشا غونثاليث لايا قولها إن مدريد تريد التوصل لاتفاق، مذكرّة بأن "لا خطّة ثانية" (غير الاتفاق). جبل طارق واستفتاء 2016 رفض 96 بالمئة من المقترعين في جبل طارق عام 2016 الخروج من الاتحاد الأوروبي، بحجة أن إعادة فرض "حدود مغلقة" مع إسبانيا سيلحق ضرراً اقتصادياً كبيراً بالمنطقة. ويبلغ عدد سكان المنطقة 34 ألفاً.