كثر الكلام عن الاشباح في ردهات ومكاتب الادارات العمومية، وتنوعت الاشباح بتنوع الادارات ومجالات التدخل، والاشباح الذين كثر اللغط حولهم بلا ايجاد تبخيرة لإخراجهم الى العلن، وفقيه اداري قادر على وصف حالتهم النفسية، هم اشباح معروفون، يظهرون مرة في الشهر امام الشبابيك الاتوماتيكية للابناك لاستخلاص هبة الدولة ومعوناتها، ثم يختفون الى الشهر القادم وربما الى السنة القادمة، هؤلاء الاشباح ظاهرين للعيان في اوصافهم، فاكل السحت بادي على وجوههم ونسلهم والحياة من حولهم، لانهم يصطادون اسماك بحيرة جفت وانتنت رائحة الاسماك فيها، فمنها يقتاتون، ويتلذذون بمذاق السمك النتن، ربما كان بعضهم ابطالا في نظر الناس، حين جروا وقفزوا ومرروا الكرات، ليسجلوا توظيفات في اعلى السلالم، وربما اسدوا خدمات ظننها جليلة للوطن، ليتضح ان لا بطولة هناك ولا خدمات جليلة، هذا النوع من الاشباح لا يعرف الطريق الموصل الى الادارة المعين فيها، ولذلك اقصيته من هذه اللائحة.. اللائحة اذن تضم اشباحا اخرين، بكامل هيئاتهم الرجولية، وهم فرق تتوزع عبر السلم الاداري، وتقتفي اثار الادارات، وقد تسكن فيها: الشبح الاول، هو مدير الادارة او المندوب او الرئيس، يأتي الى ادارته في سيارة الدولة الفخمة بعد ان رقد ما شاء له الله ان يرقد، ويدخل من الباب الخلفي للإدارة، وهي عادة الاشباح، وفي مكتبه المكيف يتصفح بعض الجرائد وغالبا ما ينظر الى الصور، خاصة صور الصفحات الاخيرة منها، ثم يرتشف من قهوته، ويحمل معطافه الشتوي الفاخر، وهو يهم بالانصراف يقابله رئيس ديوانه بأوراق بيضاء يوقعها على مضض، فخارج الادارة اعمال اخرى اكثر اهمية، هذا الشبح يظهر في الادارة، وفي وعيه وخياله المريض انها جزء من ممتلكاته والموظفين والعمال عبيد المزرعة، هذا شبح وجب تبخيره ليظهر للعيان، وكونه على راس الادارة لابد له من رؤية للقطاع الذي يعمل فيه، وتخطيط وجهد مضاعف، وتدبير امثل للموارد،.. الشبح الثاني، ذلك الجامعي الذي نال الدرجات في علمه، وحاز الاجازات في تخصصه، فهو حامل فكر وعلم، قادته اقداره الى سلالم الادارات، فعزم على خدمة البلاد والعباد من موقعه، فهو كل يوم يطور من اساليبه، ولا يتوانى عن تكوين نفسه، ولما اجتهد واقنع الذات، اصبح خصما بامتياز للشبح الاول، فقرر ان يخفيه عن الاعين المترصدة، واغلق عليه مكتبا باردا في مصلحة باردة ليقوم بأعمال الرقانة وفرز الملفات جنبا الى جنب مع موظفة الرقانة، وكل يوم يصيح انه متخصص، ولكن مادام انه شبح فلا احد يسمعه، ولما يئس قرر الدخول الى عالم الاشباح فادمن الجريدة ورسم الحروف، وتمنى لو دبرت الموارد احسن تدبير لأفاد الوطن وساهم في تطوير ادارته،.. الشبح الثالث، يحضر دائما الى ادارته باكرا، مزهوا بنفسه، منتشيا بالنصر، فقد حصل على الكرسي والطاولة، بعدما تم طرده شر طرده من المدرسة في سن مبكرة، نظرا لانعدام كفاءته، نصحوه بالتعليم التقني والمهني، فقد يكون نجارا بارعا، او حدادا او كهربائيا، لكنه ابى الا الكرسي انتقاما منهم، وهاهو رغما عن انوفهم يمتطي كرسيه جنبا الى جنب مع صديقه الذي جاب الجامعات والمعاهد، ثم فجأة يجد زميله في الابتدائي الذي انقطع عن الدراسة يشاركه المكتب والملفات، درس الى ان نما الشيب تحت صدغيه، ووجد معه هذا الشبح الذي جاءت به بركة الرشوة والمحسوبية وباك صاحبي الى الادارة، لذلك هو مزهو انتصارا على المجتمع، وهو شبح لأنه لا يقدم للإدارة شيء يذكر، .. الشبح الرابع، بلغ من العمر عتيا، احالوه على التقاعد، تذمر فلطالما عاش في الادارة، ولطالما قدم لها خدمات جليلة لذلك اراد التكريم، وفعلا كرموه، ولازال يعمل رغما عن الجميع، ظنا منهم ومنه انه ان ترك كرسيه تنهار الادارة ويختل التوازن، لذلك ابقوه معهم، الى ان يوارى التراب، والاعمار بيد الله، وربما نصبوا له ضريحا في مكتبه يتبركون به عند كل ملف وقضية مستعصية عل الحل، فهو شيخ شبح، يتقاضى تقاعده وبطاقاته المريحة، .. وهناك في الادارة شبح خامس وسادس وسابع الى نهاية الاعداد، منهم من يظهر للعيان ومنهم من يختفي وراء اجندة وسياسة واكراميات، ومنهم من جاء للإدارة من زيجات المتعة بلا عقود، فزفت كل العائلة الى الادارة، من فروع واصول، بل وخلقت مصالح لأجل تفريخ الاشباح، فأصبحت الادارة برمتها شبحا في عين المواطن، يهابها كلما توجه للاستفادة من حقوقه، اصبحت تخيفه من منظر الاشباح المخيف، والهدف من نشر هذه اللائحة المؤقتة ليس اثارة الفتن، انما التحسيس بضرورة وضع الاصبع على الداء، العنصر البشري، فالإدارة اداة لتنفيذ السياسات الحكومية، وهي مرآة تعكس عمل الحكومة والدولة ككل، فلابد من كشف النقاب عن هذه الشبحية التي تطغى على الادارة ببلادنا، ولابد من تنقية المكاتب والردهات من هذه الاشباح بسياسة جادة للوظيفة العمومية تبنى على الكفاءة والنزاهة والتخصص.