دخلت الثورة السورية منعطفا خطيرا بعدما اقترب المسلحون من العاصمة دمشق وبدأوا في شد الخناق على نظام بشار الأسد. ويسيطر رعب حقيقي من الغرب من احتمال إقدام هذا النظام على مغامرة خطيرة تتجلى في شن حرب كيماوية ضد إسرائيل "كنهاية مشرفة" لنظامه بعد المجازر التي ارتكبها في حق شعبه المطالب بالديمقراطية. وبعد سنة وثمانية أشهر من الثورة، أصبحت سوريا دولة شبه منهارة، حيث يحتل الثوار مناطق واسعة من البلاد وتراجعت سلطة نظام بشار الأسد الى العاصمة دمشق دون ريفها (ضواحي) والأمر نفسه مع كبريات المدن خاصة حلب التي يسيطر الثوار على جزء والنظام على الجزء الآخر. وكل المؤشرات تدل على قرب نهاية نظام بشار الأسد، فتجارب التاريخ كشفت وأكدت أنه مهما كانت شراسة ديكتاتورية نظام سياسي يسقط في آخر المطاف عندما ينتفض الشعب ولاسيما إذا كانت الانتفاضة مسلحة. إلا أن نهايته ستكون مختلفة عن نهاية زعماء آخرين مثل المصري حسني مبارك الذي يخضع للمحاكمة وزين العابدين بن علي الفار من بلاده والليبي معمر القذافي الذي جرى اغتياله. وهذا الاختلاف مرده الى أن نظام بشار الأسد يتوفر على حماية قوية من طرف الأقلية العلوية التي تسيطر على صناعة القرار العسكري ويتولى جنود وضباط علويون السيطرة على السلاح الاستراتيجي مثل الطيران والأسلحة الكيماوية، ولهذا لم يحدث فرار طيارين بطائراتهم لأن الربابنة ينتمون الى الطائفة العلوية وربطوا مصيرهم بمصير الأسد. ومن ضمن السيناريوهات الواردة احتمال وقوع انقسام في سوريا عبر لجوء الأسد وتحصنه في منطقة العلويين وخلق كيان جديد هناك يحظى بدعم قوي من إيران وروسيا التي لا ترغب في التفريط في ميناء طرطوس، حيث وصلت هذا الأسبوع سفن حربية لها الى الميناء. ومع فشل الحرب الكلاسيكية التي يشنها النظام من خلال القصف بالطائرات والدبابات، بدأ الحديث يدور قويا حول احتمال لجوء نظام بشار الأسد الى استعمال الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري وفق المعارضة والمسؤولين الغربيين. لكن في دهاليز الغرب يسيطر قلق مختلف وهو أن المستهدف سوف لن يكون الشعب السوري بقدر ما قد يكون المستهدف هو إسرائيل دون استبعاد دول عربية مثل العربية السعودية. ففي حالة نظام مثل نظام بشار الأسد الذي صاحب ماضي دموي مرعب والذي لم يتردد في قتل عشرات الآلاف ومنهم أطفال ونساء وشيوخ من أجل أطروحته السياسية التي ارتقى بها الى العقيدة الدينية كما حدث في بداية الثمانينات مع الإخوان المسلمين وفي الوقت الراهن مع المنتفضين من أجل الديمقراطية، يفرض التحليل النفسي نفسه بقوة لشخصية هذا الدكتاتور وكذلك صناع القرار في محيطه العلوي والمتطرفين من أفراد حزب البعث. فحزب البعث وعلى رأسه عائلة الأسد تلوح بزعامة القومية العربية منذ السبعينات، وبنت ترسانة حربية قوية لمواجهة إسرائيل لتحرير الجولان، وفي آخر المطاف توظفها في مواجهة وقلت الشعب السوري المطالب بالديمقراطية. مختلف وسائل الاعلام الدولية ومن ضمنها جريدة معاريف الإسرائيلية اليوم الأربعاء تتحدث عن احتمال قوي لتدخل إسرائيلي عسكري الى جانب القوى الغربية وبعض الدول العربية في سوريا لاحتواء أي استعمال للأسحة الكيماوية. هذه الأخبار تفيد أن نظام بشار الأسد قد يغامر بقصف إسرائيل وبعض الدول العربية الملكية وأساسا العربية السعودية لخلق تعاطف القوميين معه، وتبقى تحذيرات القوى الغربية في هذا الصدد بدون جدوى لنظام يعتقد أن عملية القصف بالكيماوي ضد إسرائيل والسعودية "ستكون مخرجا مشرفا" له أمام التاريخ تعوض وتخفي عمليات القتل التي نفذها ضد الشعب السوري. والتجارب التاريخية معبرة في هذا الشأن، فرغم دكتاتوريته وقتل الآلاف ، تحتفظ الذاكرة العربية لصدام حسين بأنه كان أول من أرعب الإسرائيليين في عقر دارهم بصواريخ باليستية لم تكن متطورة سنة 1991. وفي الوقت ذاته، ورغم انحيازه لنظام بشار الأسد، فجزء من الرأي العام العربي مازال يجد تبريرا لحزب الله بأنه أول من كسر أسطورة الردع للجيش الإسرائيلي في حرب صيف 2006 وأول من قام بتغيير نسبي للعبة الحرب في الشرق الأوسط من خلال الصواريخ التي تأكدت مع المواجهات بين حماس وإسرائيل الشهر الماضي. هذا من ضمن السيناريوهات المرعبة التي بدأت تلوح بشبحها في الشرق الأوسط وقد تدخل المنطقة في مستوى آخر مما يمكن وصفه ب "الفوضى جيوستراتيجية"