بعد التحولات التي طالت بعض أنظمة الوطن العربي, وبعد ان تبين ان الاوطان التي تملك زمام امورها ,مرة بالضبط و مرات بالمرونة ,قد تمكنت من تجوز اعتى العواصف, ووفرت على بلدانها الكثير من الخسائر و الانتكاسات, لا نحلل من خلال وطن عربي منسجم في بنيته التصورية او في قراراته السياسية, ولكن لنا ان نحلل من خلال وقائع تتباين بتباين الوضع في الوطن لعربي, هناك انظمة عصفت بها جماهيرها و في ختام ما بعد التحول لم تستفذ الجماهير أي شيء ,سواء عبر الديمقراطية او عبر المسار التنموي واعمار ما خربته الفوضى ,لا يمكن ان نحلل من منطلق واع ولا نرصد بشكل دقيق مألات الامور في الوطن العربي برمته, سبق ان قسمنا التحولات العربية الى 3 مظاهر: - التغيير - الانحصار - الاذلال.. تقسيمات يمكنها ان تفي بشكل جيد, في اعطاء صورة حقيقية على الوضع في الوطن العربي, بعد ان نجحت الشعوب في ازاحة قيادتها على رأس الدولة ,وما تلى ذلك من احداث, تباينت بين الفوضى والانهيار وبين الانتهاز المفضي للعنف. - البلدان التي عرفت التغيير هي الان بين حالتين: حالة(1) :انقلاب على ارادة الشعوب لاعتبار ان الذي انتهز التحولات لم يكن فاعلا في ذلك, ولن نقول اكثر من كونه فاعلا انتهازيا, وان تواجده على هرم السلطة لن يستمر, فسرعان ما تكتشف الشعوب ان الامر قد اخذ مسارا غير الذي كان مطلبا للثورات.. الحالة (2): فوضى عارمة و انهيار تام للمؤسسات, الى درجة استبيحت في جغرافية الدولة ومقدراتها ,وان قرار الاستقرار لم يعد في يد الشعوب, وهو درس عميق ورسائل قوية الى الشعوب و الى مفاهيم الحراك الشعبي و مآل صيحاته . - في بعض الدول ,التحولات العربية انحصرت بشكل كلي, ويتعلق الامر هنا بدول حضرت فيها المؤسسات بشكل قوي .بعد ان علمت ان نماذج اخرى قد عصفت بزعامات لم يكن للشعوب ان تتخيل سقوطها, انحصار التحولات يمكن ان نرصدها من خلال منطقين: - المنطق الاول :هو قدرة الانظمة على امتصاص غضب الشارع و احتواء الغضب
الشعبي وغالبا من ساعدت كاريزما الدولة وذكاء قيادتها على ذلك, اضافة الى النضج الكبير للشعوب التي استوعبت اللعبة من تجارب خارجية ,وهاته الثقافة لم تكن وليدة الصدفة ,بل اشتغلت عليها الدولة من خلال التواصل الدائم والتربية على الحوار والتواصل والتأهيل المستمر للمؤسسات.
- المنطق الثاني هو يقظة الدولة واستنفار كل اجهزتها للحيلولة دون انزلاق الوضع الى فوضي تعصف بالمؤسسات, وقد نرصد هنا وبشكل دقيق ان مؤسسات الدولة لم تنفلت عن القرارات المركزية ,وهو ما يحيلنا الى مفهوم الدولة ومستوى المواطنة والارتباط بالمركز, كلما كانت المؤسسات تستوعب بشك جيد تصورات الدولة ,وقادرة على الدفاع عليها مع الحفاظ على الاستقلال الفكري والتصوري الذي يمكن ان يربطها بالخارج, يمكن حينها ان تشعر بأمان اتجاه أي حراك بعيد على المطالب الممكنة الى مطالب تخدم اجندات معادية للدولة, التوجه الثالث: انظمة لم تتزحزح واعتبرت نفسها غير معنية بالمطلق بما يحث اقليميا من تحولات, فكانت ردودها صارمة وتعاملت بالحديد والزيت مع أي حراك, ربما لان الامر مرتبط بخلفيات امنية قد تردها الى ما عاشته من ويلات الانفلات, فكان للدولة ان تتصرف بحزم ومهما كلف الامر, فكان لنا ان نسم الامر بالإذلال, كي تفهم الشعوب انها غير قادرة على التأله والسيطرة في ظل وجود دولة قوية. الوطن العربي الى أين..؟ بعد كل هاته التحولات ,التي اعطت بعض الامل احيانا للشعوب وفقدته بعض القيادات لسببين, الوضع الدولي المتحول الى مركزيات متعددة قد تجر البساط على ريادة الولاياتالمتحدةالامريكية ,خاصة مع ظهور قطب ثاني, رغم تباين مرجعيته الثقافية .روسياالصينايران . مع تجاوز الوضع الحرج في سوريا اصبح من الوارد ان تسترجع قوتها وريادتها في المنطقة, بعد ان راهنت ادارة بشار الأسد على بسالة الجيش العربي السوري و ايمانه بخياراته الجيواستراتجية من خلال محور ايرانروسيا ..وهذا ما اشرنا اليه في مقال سابق ,(وداعا سوريا),لمحنا فيه الى ان سوريا لن تراهن على الدعم العربي كي تحافظ على قيادتها وريادتها, جمهورية مصر العربية, بوصلة التحولات العربية برأيي ,مع كل ما حدث من تحولات وتباينت الرؤى والتحليلات , فاني اومن ان انضج التحاليل هي التي تقارب الواقع بشكل دقيق, في كل الوطن العربي لا يوجد من يقبل بعقلية الحزب الوحيد, ولا يوجد نظام بالمطلق يغفل ان الديمقراطية الحالمة يمكنها ان تتحول الى انقلاب, لهذا كان من وجهة نظري ,من ضروري ان تتحرك أي جهة كي توقف هاته التحولات, التي اخذت مسارا يمكنه ان يرهن الدولة في خيار وحيد, هيمنة التوجه
الواحد, ولا شك ان الأمر سيشكل خطورة على نفس التعايش والسلم الاجتماعي. سبق واشرنا الى ان التحولات العربية التي عصفت بقيادتها لم يكن الفاعل الاسلامي فاعلا محوريا ,بل سيق الى قيادة الدولة ولم يأتي اليها, وكأننا نلمح الى انه لم يكن ناضجا بما يكفي كي يكون في الواجهة,
مصر وما تعانيه اليوم ,في تشكيل بنية جديدة يمكنها ان توجه بوصلتها بشكل دقيق الى استرجاع ريادتها في العالم العربي ,لن يكون من السهل على القيادة الحالية, لكن من الممكن ان يتحقق ذلك, خاصة حين تراهن على التشابه الحرفي بين مصر جمال عبد الناصر و مصر الحالية, لسنا في صدد التحليل المفصل ,لكن الاشارة فقط تكفي كي نرصد ان مصر مع كل الصعوبات ستتجاوز ذلك, ان استمرت قيادتها في الصرامة واليد من حديد. الوضع في ليبيا مقلق وفي نفس الوقت قد يعتبر ضريبة التفريط في قيادتها ,ربما يحن الشعب الى ازمنة القذافي , وله الحق في ذلك خاصة مع الانهيار الذي لم يكن يتوقعه , هل كانت ليبيا ملزمة كي تمر من الحرب و التطاحنات كي تستمر القيادة بنفس الشكل وبنفس الظروف..؟! سؤال قد يكون سابقا لأوانه ,لكن من الوارد ان الظروف كلها ستخدم البنية القديمة, وربما نفس الامر في مصر... الوطن العربي والغليان الشعبي و التوتر لن يستمر كثيرا ,خاصة مع تنامي قوى متعدد لقيادة العالم, ربما ما جنى على العرب هو وجود نظام القطب الواحد, الذي لم يخدمها في شيء... ان مآلات الوضع العربي يتجه الى الحسم الكلي مع المعارضات الراديكالية وبشكل نهائي, مع الحفاظ على التوجه التعددي وتبني نظم ديمقراطية معدلة عربيا, كي لا يتكرر سيناريو ا بعد التحولات العربية, التكامل العربي والقيادات الحالية, التي ستوجهها شعوبها الى الاجابة الحقيقية على اسلة التنمية والاستقرار, سيخدم بشكل كبير التحولات العربية من قاعدة السلطة والعنف الى لازمة السلطة والتنمية.