من كان يتخيل أن حياتنا ستضل مرتبطة بفيروس فتك بكافة بلدان الكرة الأرضية؟ من كان يتوقع أننا سندعي من أعماق قلوبنا ليزول الوباء الذي جعلنا نقبع في غياهب سجن فرضه علينا كائن لا يرى حتى بالعين المجردة؟
من كان يتخيل أن تصبح النظافة والتعقيم من أولى الأولويات التي نسارع لفعلها بمجرد أن نعتب باب منازلنا؟
من كان يتخيل أن تغيب القبل والأحضان بين الأصدقاء والعائلات والجيران وبين الأم وفلذة كبدها؟
من كان يتوقع أن تتوقف مبارايات كرة القدم التي كانت تخلق البهجة في قلوبنا أكثر من أي شيء مضى؟
من كان يتوقع أن تغلق دور العبادة والشواطئ التي تعد متنفس الكبير والصغير على امتداد أيام فصل الصيف؟
من كان يتخيل أن تذوب الأفراح، وتمر الأعياد في أجواء أقل ما يمكن القول عنها أنها كانت عادية كجل الأيام الأخرى؟
لقد أصبح كورونا يشكل جزءا من حياتنا منذ أن ظهرت أول حالة إصابة ببلدنا، حتى أنه أصبح كغيره من التفاصيل التي أصبحنا نعيشها، و الدليل أن لا يوم يمر دون أن نسارع لترقب هواتفنا لمعرفة الحصيلة التي توصل إليها كل بلد، نسبة الفتك، عدد الوفيات، وتفاصيل أخرى تتضمن الحالات المستبعدة ومعدل الوفيات وغيرهما.
أصبحت جل الأسر المغربية تترقب كل مساء التصريح الصحفي اليومي لوزارة الصحة الذي يسرده على مسامعنا منسق المركز الوطني لعمليات الطوارئ العامة معاذ المرابط، حتى أن هناك دراسات أكدت أن نسبة كبيرة من المغاربة فرض عليهم الكوفيد العودة لمشاهدة القنوات الحكومية بغية الحصول على الأخبار الدقيقة التي لا يشوبها شك.
مهما ظل معنا كورونا من أيام و شهور أو سنين فلابد أن يغيب في يوم من الأيام، ستتسارع الدول لصنع لقاح لهذا الفيروس الذي استعصت البشرية عن صياغة حل له كما نرى كل يوم. ربما يسبق شعب "ترامب" في إيجاد لقاح للفيروس بالرغم من كل التعثرات التي أصبحنا نرى الولاياتالمتحدةالأمريكية تمر منها، ورغم اتهامات ترامب للدولة العميقة بتعمد إبطاء تجارب لقاحات كورونا فإننا مازلنا نرى بلاد العم سام تأتي في صدارة الدول التي تولي اهتماما بالبحث العلمي وبالطب والأطباء، و ربما يجد اللقاح شخص تحكمه "أنغيلا ميركل" فتصبح بلاد ألمانيا متوجة بلقب إنقاذ البشرية جمعاء، ربما أيضا تفعل إيطاليا ذلك أو اليابان أو غيرهما، أو قد تفلح بلاد الاتحاد السوفييتي في جعل مياه العالم تعود إلى مجاريها بعد اكتشاف لقاح "سبوتنيك" الذي أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالرغم من إثبات عدة دراسات أن اللقاح يسري على فئة دون الأخرى ويعالج أشخاصا دون آخرين، قد تفعل بلاد جمهورية الصين الشعبية التي وقعت معها المغرب اتفاقيتين في الأسبوع الماضي في سابقة في تاريخ مملكتنا، هاتين الاتفاقيتين اللتين جاءتا لتعزيز وتوسيع دينامية التعاون بين الرباط وبكين ووضع يد في يد لغرض قيام البلدين بالتجارب السريرية للقاح المضاد للفيروس الخبيث. كل هذا لا يهم، المهم في الوقت الراهن أن نتوصل في الأخير للقاح يضمن لنا عودة الحياة لطبيعتها دون خوف ولا رعب.
سيمر الزمن الكوروني, و سنتذكره جميعنا بعد أعوام، وقريبا سيصبح في خبر كان، لن يرعبنا كورونا بعد القضاء عليه، لكنه سيضل ذكرى مرسخة سيتذكر العالم أجمع جل تفاصيلها الحلوة والمرة، ستدب الحياة في الشوارع من جديد، سنتنفس الصعداء ولو بعد حين، سنعيش اللحظة وكل يوم سيغدو عيدا لم نعشه كما كان ينبغي.
كورونا قتل أناسا، و شتت عائلات، شرد أسرا لا ذنب لها، و بعد فلذات عن بعضها، كورونا لم يكن ليسمح للجميع بعيش اللحظة كما هي، فكم من زفاف كان مقررا أن يحدث في صيف اكتسحه كورونا و أبى أن يعطي للناس حريتهم، كم من قلوب رفض التقاءها.. كم أعراس أقيمت في صمت دون دق طبول ولا زغاريد على غير العادة..
كورونا سيضل درسا لكل من عاش في زمن الألفية الثالثة. سيتذكر الجميع أن كورونا لم يكن مجرد حدث عابر، أو مجرد وباء بل كان حربا بيولوجية ساهمت وبقوة في إضعاف
اقتصاد بلدان لطالما كانت في أوج الرقي والازدهار، كما قد يساهم في ظهور قوى عالمية أخرى كانت تنتظر الفرصة لتركب على ظهر مصائب دول أضعفها الوباء ...
لن ينسى أحد منا أن كورونا وبالرغم من مرارة ما جلبه معه من أحزان وبالرغم من ما مررنا به من فترة عصيبة إلا أنه قدم لنا درسا سيضل راسخا في أدهاننا إلى الأبد، وسنحكي للأجيال القادمة عنه ..
كورونا جعلنا جميعا نمارس عادات لطالما تخطيناها بسبب أعذار واهية، كورونا جعلنا نحقق أهدافا أجلناها شهورا وربما لسنين، لن ننسى أن كورونا قربنا لعدة طموحات كنا رسمناها ولطالما تجاهلناها بحجة قلة الوقت وصعوبة الظروف، لن ننسى أن كورونا جعلنا نعلم أن أصعب ما قد يمر منه شعب هو الوباء، كما علمنا نحن كمغاربة ضمن بلدان العالم الثالث أن منظومة الصحة لم تكن يوما من الثانويات بل هو قطاع يجب أن يعطى له كل الاهتمام الذي يستحق...