لقد حسم النقاش، لأول مرة، لفائدة افتتاح بنوك إسلامية في المغرب بعد أن كانت الاصوات التي تنادي بهذا الأمر قلة قليلة، وسط حشد من المعارضين خصوصا من اللوبيات المالية التي لا ترى أي مصلحة في منافسة منتوجات إسلامية ستلقى لا محالة إقبالا وترحيبا كبيرا من قبل المواطنين المغاربة. يونس، موظف إطار، يقول إنه عدل عن فكرة الاقتراض من بنك ربوي بمجرد أن دار النقاش حول احتمال مجيء بنوك إسلامية للاستقرار في السوق المالي المغربي. يقوليونس، إنه قرر اقتناء شقة للسكن، "غيرأنني تريثت بعد أن علمت أن البنوك الإسلامية قادمة وأن المشروع لا غبار عليه، لأنني كنت دائما أتردد في اللجوء إلى البنوك المغربية القائمة على النظام الربوي خشية غضب الله عز وجل". أمثال يونس كثيرون من الشباب المغاربة الذين يتحرون التعامل بالربا ويفضلون الانخراط في بنوك إسلامية بصمت تجربتها في مجموعة من البلدان الإسلامية وأبانت عن نجاحها، بل هناك من يستغرب تأخر المملكة، التي تقوم على الإسلام كما ينص على ذلك دستورها، في إخراج هذه البنوك إلى الوجود ، إلى درجة أن زوبعة أثيرت بعد أن أفتى الشيخ يوسف القرضاوي لأحد الشباب خلال زيارة سابقة للمغرب بجواز التعامل مع البنوك الربوية في حالة الاضطرار، الشيء الذي فتح الباب على مصراعيه لنقاش حول دور العلماء المغاربة من ما يجري حولهم من مستجدات وحاجة المواطنين لمواقف وفتاوى انطلاقا من الواقع المعاش. والغريب في الأمر أن برلمانيي العدالة والتنمية، عندما كانوا في المعارضة، لم يتوقفوا عن طرح أسئلة بشأن إحداث بنوك إسلامية أو السماح لبنوك معروفة على الصعيد الدولي الاستثمار في المغرب، إلا أن هذه الدعوات كانت تلقى اعتراضا شديدا، وتقرأ من منظور إيديولوجي صرف، لكن سرعان ما تغيرت الأمور وبات برلمانيون من مختلف الفرق، حتى الاشتراكية والياسرية منها. ربمافطنت جميع المكونات رغبة شريحة عريضة من المغاربة المتطلعة للتعامل بمثل هذه الصيغ البنكية القائمة على التشاركية عوض النظام البنكي التقليدي. لقد وجدت الحكومة الحالية نفسها أمام ضغط نواب الشعب الذين يشددون كلما سنحت لهم فرصة بالمطالبة بإسراع إخراج هذه المعاملات البنكية الجديدة التي ستشكل متنفسا لمن مازال لا يملك ثقافة التعامل البنكي. وكان إعلان وزير الاقتصاد والمالية المغربي، نزار بركة، أخيرا القاضي بفتح أول بنك إسلامي في المغرب خريف السنة المقبلة نزل بردا وسلاما على العملاء المحتملين لهذا النوع من البنوك، علما أن الحكومة الحالية، التي يرأسها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، هي من فتحت الباب لهذا المقترح وقررت إحداث بنوك فضلت أن تطلق عليها اسم "تشاركية" عوض "إسلامية" لتفادي الحساسيات وأيضا لتفادي الضغوطات المحتملة من قبل البنوك القائمة على الصعيد الوطني. فمشروعالقانون المحدث للبنوك التشاركية سبق التداول بشأنه في إحدى مجالس الحكومة وفتحت الحكومة المجال أمام مختلف الفاعلين في المجال البنكي والمالي من أجل إبداء الرأي على اساس إعادة مناقشته قبل عرضه على مجلس النواب المخول له مهمة التشريع. فالحكومة الحالية، كما كشف عن ذلك مسؤولو قطاع الاقتصاد والمالية، سبق أن أعلنت أنها تلقت عدة طلبات من بنوك إسلامية معروفة في العالم ترغب في مزاولة نشاطها البنكي على صعيد المملكة، وهذا ما أكده وزير الميزانية، إدريس الإدريسي الأزمي، أمام نواب الشعب إذ أوضح أن مجموعة من المؤسسات الدولية المعروفة على صعيد التمويل التشاركي حاولت ربط اتصالات مع الحكومة المغربية ومع مؤسسات مالية وقامت بزيارات استكشافية في أفق تعاون مشترك. كما تراهن الحكومة من خلال السماح للبنوك الإسلامية الاستقرار في البلاد على استقطاب فئة عريضة من المجتمع المغربي التي لم تبد أي تجاوب مع النظام البنكي القائم حاليا، ولعل الرقم الرسمي المعلن عنه والذي يتحدث عن وجود 35 فيالمئة فقط من الساكنة منخرطة في القطاع البنكي، خير مشجع للبنوك الإسلامية الراغبة في خوض غمار المنافسة، لكن في المقابل، تسعى الحكومة إلى إنجاح التجربة من خلال ضبط الأرضية القانونية التي ستستوعب الخدمات البنكية الجديدة، إذ ينظر إليها أنها ستكون بمثابة إضافة نوعية وليست خصما للمؤسسات الموجودة. يشار إلى أنه من الناحية العملية والقانونية، فإن البنك المركزي (بنكالمغرب) هوالمخول له منح التراخيص للبنوك الراغبة في مزاولة مهامها ، وهوالذي يبث في الأهلية القانونية والتقنية لهذه المؤسسات، أخذا بعين الاعتبار قدرة السوق البنكي على استيعاب فاعلين جدد. وفيعام 2007،سمح البنك المركزي لبنك مغربي تسويق تمويلات جديدة عبارة عن المرابحة والمشاركة والإجارة، إلا أن هذه التجربة باءت بالفشل بسبب تعقيد المساطر وغلاء المنتوج الذي فاق المنتوج العادي بشكل لافت للانتباه. غيرأن التجربة المقبلة ستكون مغايرة، حسب متتبعين للمجال البنكي، لأنها ستكون عبارة عن تمويل جديد سيدمج في إطار المنظومة المالية القائمة حاليا، ثم إنها ستساهم في تعميم تجربة ناجحة في دول الخليج وفي توسيع فرص التعاون مع هذه البلدان التي تراهن عليها الحكومة.