خلال سنة 2017 كان ضابط الشرطة المثير للجدل خوسي مانويل بياريخو يهدد بدبلوماسية من زنزانته في سجن في مدريد “أوقفوا كل شيء، لا تجعلوني أعرض الملكية للخطر”. لم يأخذ أحد على محمل الجد تصريحات هذا الضابط المتقاعد، واضطر في آخر المطاف إلى الكشف عن الأسرار التي ستؤدي إلى هروب الملك خوان كارلوس، بل ويهدد بأسرار أخرى وينتظر الجميع ما في جعبته قد تجعل مؤسسات وشخصيات نافذة يدها على قلبها خوفا من الصدمة. وعكس الصورة الوردية التي رسمها المؤرخون والصحافة الإسبانية عن خوان كارلوس كشخصية ديمقراطية، هناك نقاط سوداء عمل الكثيرون ومنها الصحافة المنتمية إلى إستبلشمنت التغطية عليها، وكل من كان يندد بخروقات الملك كان يجري اتهامه بالانتماء إلى أنصار الجمهورية أو مناصر للحركات القومية. وانتهى المطاف بالصحافة مثل “الباييس” و”آ بي سي” الاعتراف بالتساهل والتستر على خروقات الملك مما جعله يتمادى أكثر ويعرض المؤسسة الملكية للخطر. ملفات كثيرة تبرز الوجه الآخر للملك خوان كارلوس غير ذلك الذي رسمته له بعض وسائل الإعلام مثل جريدة “الباييس” التي تسترت عن جرائمه المالية طيلة عقود. البداية مع ضابط غير عادي خوسي مانويل بياريخو هو ضابط شرطة فريد من نوعه، يبلغ من العمر 69 سنة، ويوجد منذ ثلاث سنوات في السجن الاحتياطي على ذمة التحقيق في قضايا كبرى، وأساسا ما يعرف بملف تاندمن المتعلق بتبييض أموال من غينيا بيساو وتنفيذ مخطط لتنصيب أحد أبناء الرئيس تيودورو أوبيانغ على حساب آخر. التحق بهذا الجهاز الأمني سنة 1972 ومنذ بداية التسعينيات سيحصل على رخصة خاصة ليتحول إلى رجل أعمال يدير شركات متعددة ومتخصصة في عالم المال والأعمال والتجسس، وسيتولى تنفيذ العمليات الأكثر قذارة لصالح الدولة الإسبانية بعضها متعلق بالأحزاب القومية في كتالونيا وآخر بأبناك ثم الملكية وأخرى مازالت غامضة في الخارج مثل التحقيق غير الرسمي فيما يعتقده دور المغرب في تفجيرات 11 مارس الإرهابي سنة 2004. تسجيل عشيقة الملك لقد كانت كورينا لارسن عشيقة الملك خوان كارلوس منذ العقد الماضي، وتحولت هذه الدنماركية إلى خزانة أسراره المالية ومنها إخفاء 65 مليون دولار حصل عليها خوان كارلوس من السعودية جراء وساطته في صفقات القطار السريع بين مكة والمدينة التي تولت تشييده شركات إسبانية، وكانت مودعة في بنك سويسري ثم جرى تحويلها إلى بنك في بنما. وبعد تنازل خوان كارلوس عن العرش لصالح ابنه فيلبي السادس خلال حزيران/يونيو 2014 طالب العشقية بالمبالغ المالية، لكن الأخيرة رفضت واعتبرتها هدية لتبدأ التهديدات ضدها وترد بتهديدات مماثلة. واجتمعت كورينا مع مدير المخابرات الإسبانية الجنرال فلكس رولدان منذ سنوات في لندن للتوصل إلى اتفاق مقابل صمتها وعدم إيذاء المؤسسة الملكية. وبدوره انضم الضابط فيياريخو إلى الملف وانتهى بتسجيل جلسات مع كورينا التي تتهم فيها الملك بالفساد وهي التسجيلات التي قادت الملك إلى المنفى. ورفعت كورينا دعوى قضائية في لندن ضد خوان كارلوس بأنه يددها في حياتها. بعد اعتقاله في ملف تاندمن والتأكد من عدم مغادرته الإفراج عنه، بدأ فيياريخو بالتهديد بنشر المكالمات وأخيرا نشر هذه التسجيلات التي تعترف فيها كورينا لارسن بفساد الملك، وليبدأ القضاء السويسري التحقيق في تورط الملك خوان كارلس في الفساد ثم اضطر القضاء الإسباني لفتح التحقيق بدوره. ويصل الأمر إلى ضغط شديد على الملك خوان كارلوس الذي انتهى به المطاف هاربا من بلاده إلى دولة متورطة في الفساد وهي الإمارات العربية منذ بداية الأسبوع الجاري. وبهذا يكون هذا الملك قد بدأ حياته في المنفى لأنه ولد في روما بعد طرد الملكية وينتهي منفيا بد 39 سنة سنة من الحكم، وست سنوات من لقب الملك الأب أو الملك الشرفي. اغتيال شقيقه الفضائح والشبهات التي تطارد الملك خوان كارلوس ليست وليدة اليوم بل تعود إلى سنة 1956 عندما كان خوان كارلوس يقضي عطلته في إيستوريل في البرتغال، وهي البلدة التي انتقلت عائلته الملكية للعيش فيها بعد سنوات من المنفى في إيطاليا منذ بداية الثلاثينات عندما طردها الجمهوريون ثم بعد تولي الجنرال فرانسيسكو فرانكو الحكم سنة 1939 في أعقاب حرب أهلية دامية. وكانت العائلة الملكية قد بدأت تور إسبانيا بل وانضم خان كارلوس إلى الأكاديمية العسكرية في سرقسطة. يوم 29 اذار/مارس من سنة 1956 كان خوان كارلوس البالغ من العمر 18 سنة رفقة شقيقه ألفونسو 14 سنة في المنتجع الصيفي في البرتغال، وأطلق النار على رأس شقيقه وأرداه قتيلا. لم تفتح الدولة البرتغالية تحقيقا في الأمر، وبقيت الشكوك تحوم حتى الآن حول الأسباب التي دفعت بخوان كارلوس إلى تصفية شقيقه. وعالج عدد من الباحثين والصحافيين هذا الموضوع الذي كان تابو حتى السنوات الماضي. وهناك من يعتقد في وقوع الجريمة بشكل متعمد. وكان الكولونيل في الاحتياط أماديو مارتينيث إنغليز وهو مؤرخ عسكري قد رفع دعوى إلى المحكمة الوطنية سنة 2015 يطالب بالتحقيق في اغتيال خوان كارلوس لشقيقه. ويؤكد أنه بعد تنازل خوان كارلوس عن العرش وفقدانه للحصانة لم يعد هناك من عائق للتحقيق في الجريمة التي ارتكبها. وحفظت المحكمة الوطنية الدعوى. ونشر هذا الكولونيل كتابا عن المغامرات الغرامية للملك خوان كارلوس تقدمه بمثابة المهوس بالجنس. ويبدو أنه حصل على وثائق عسكرية مثيرة. ويبرز هذا الكولونيل كيف عملت المخابرات دائما على التدخل لمنع فضائح خوان كارلوس من الخروج إلى العلن ومنها فضيحة ممثلة إسبانية شهيرة باربارا راي التي كانت تتوفر على تسجيلات بصوت الملك خوان كارلوس يعترف بمعلومات مثيرة حول الانقلاب العسكري سنة 1981. حرمان أبيه من العرش ويوجد ملف آخر مثير للغاية وهو كيف ناور خوان كارلوس لكي يحرم والده خوان دي بوربون الذي كان ينتظر اعتلاء العرش بعد نهاية الحرب الأهلية سنة 1939. وكان هناك اتفاق ضمني بين خوان دي بوربون ابن الملك ألفونسو الثالث عشر الذي طرد من إسبانيا سنة 1931 مع القيادة العسكرية بزعامة الجنرال فرانسيسكو فرانكو بشأن عودة الملكية إلى إسبانيا. ورفض فرانكو لاحقا عودة الملكية، وتورط خوان دي بوربون في مؤامرات لطرد فرانكو من السلطة، وكان رد هذا الأخير هو حرمان الوريث الشرعي للعرش خوان دي بوربون لصالح ابنه خوان كارلوس، حيث أصدر الجنرال قرارا ينص على أن صلاحية اختيار الملك تعود إلى رئيس الدولة (فرانكو) وسيشمل كل أمير يتجاوز 30 سنة من العمر ويؤمن بالكاثوليكية. وقبل خوان كارلوس بقرار فرانكو على حساب حقوق أبيه خوان دي بوربون، هذا الأخير تحفظ على تولي ابنه العرش سنة 1975 ولكن في آخر المطاف اضطر إلى مبايعته ملكا سنة 1977 أي سنتين بعد تولي خوان كارلوس العرش. جاسوس المخابرات الأمريكية ومن ضمن الملفات التي نشرتها الصحافة الإسبانية وكانت جريدة “بوبليكو” سباقة إليها هي العلاقة المريبة بين خوان كارلوس عندما كان مرشحا للعرش والمخابرات الأمريكية. وتبرز الجريدة في قراة لوثائق دبلوماسية أمريكية كيف كان خوان كارلوس يمد واشنطن بكل المعطيات المتعلقة بالجنرال فرانسيسكو فرانكو وخاصة في ملف الصحراء الغربية الذي كان على شك الاننفجار بين المغرب وإسبانيا. وكان هدف خوان كارلوس هو الحصول على دعم واشنطن لتوليه العرش ثم دعمه بعد توليه المنصب. وهذا الملف يطرح كيف يلعب زعماء وملوك بأسرار الأمن القومي لغايات شخصية دون إيجاد من يحاسبهم. الفضائح المالية وثروة تفوق 2 مليار يورو رغم تعدد الفضائح المالية إلا أن خوان كارلوس سقط في ملف واحد وهو رشاوي القطار السريع بين مكة والمدينة الذي تولته شركات إسبانية، وقبض عمولات من العائلة السعودية ما بين 65 مليون إلى مائة مليون دولار التي هي أصل البحث القضائي الآن. لكن الشبهات حول تورطه في الفساد يعود إلى بداية توليه الحكم ونسج علاقات مع الأنظمة الملكية العربية. وكتبت جريدة دياريو الرقمية كيف سيطر خوان كارلوس على صفقات النفط من الإمارات والعربية السعودية نحو إسبانيا في فترة معينة، وتستشهد بشهادات مسؤولين كبار في هذا الشأن. ثك كيف كان ينقل الأموال من الإمارات العربية في طائرته الخاصة. والأخبار حول فساده ليست وليدة اليوم، في سنة 1991 صدر كتاب “ثمن الانتقال” لغريغوريو موران يتحدث فيه عما يسمى الانتقال الديمقراطي، وكتب وقتها أي منذ 29 سنة، وقتها أن الملك خوان كارلوس يعد أكبر وسيط في الصفقات الكبرى في إسبانيا بالكامل، وينتقد كيف كانت الطبقة السياسة تصمت عن تورطه في الفساد. وكانت مجلة أوروبزنس قد قدرت في مقال لها سنة 2002 ثورة خوان كارلوس في مليار و700 مليون يورو، ونشرت سنة 2012 جريدة “نيويورك تايمز” تحقيقا قدرت فيه ثروة الملك خوان كارلوس في ملياري يورو، مشيرة أن ما ورث العائلة الملكية عند وفاة الأب خوان دي بوربون هو أقل من سبعة مليون دولار سنة 1993، واعتبرت أن ارتفاع ثروة الملك بهذه الطريقة يعود إلى وساطته المالية والفساد في الكثير من الصفقات. سقوط القناع إن الملك خوان كارلوس كان صاحب أصغر ميزانية لمؤسسة ملكية في العالم، لكن الآن يتبين أنه صاحب ميزانية ضخمة تعود إلى الفساد، إنه ملك ربط علاقات مع أنظمة ملكية عربية أكثر من الأنظمة الملكية الأوروبية. وكما ظهرت أشياء سلبية تبرز فساده في الرشاوي والوساطات، هناك روايات أخرى تقدم معطيات مختلفة عن دوره السياسي، حيث يعتقد بعض المؤرخين أنه لم يلعب دورا حاسما في الديمقراطية. وكما تغيرت الصورة من الملك المتقشف الفقير إلى ملك فاسد ماليا، الآن بدأ الرأي العام يهتم بتلك الروايات التي تتحدث عن دوره السري في الانقلاب العسكري الفاشل سنة 1981 وهو انقلاب هدف إلى تغيير الحكومة وليس الانقلاب على الملكية بل أن الانقلابيين كانوا يتحدثون باسم الملك، وهذا فصل آخر. مع بعض الاستثناءات والتي كانت تتعرض للتهميش، صمتت الصحافة مثل “الباييس” والطبقة السياسية الكلاسيكية مثل الحزب الاشتراكي عن جرائم خوان كارلوس، لكن التاريخ يترك صفحات إضافية لتصحيح الروايات المزيفة ومنها رواية خوان كارلوس الملك المتقشف والديمقراطي.