شباب وطلبة في طنجة يلتفون حول بنعبد الله    انتخاب رؤساء اللجان الدائمة ونوابهم لمجموعة الجماعات الترابية لطنجة تطوان الحسيمة للتوزيع    برلمانات إفريقية تعدد أدوار المبادرة الأطلسية في تحقيق الاندماج القاري    نسبة الإضراب بالقطاع الخاص تشعل "حرب الأرقام" بين النقابات والحكومة    أسعار مواد الغذاء تتراجع في العالم    الجنائية الدولية تندد بعقوبات ترامب    قتيل في حادث إطلاق نار ببروكسيل    تعادل ثمين لتواركة أمام "الماط"    مجلس النواب يختتم الدورة الثلاثاء    محاولة سرقة وراء اختطاف مسنة    موريتانيا تتجاوب مع السائقين المغاربة    طقس السبت.. انخفاض في درجة الحرارة وامطار على الشمال الغربي    مطار الحسيمة يسجل رقم قياسي في عدد المسافرين سنة 2024    طفلة طنجاوية تفوز بجائزة أفضل طفلة مسالمة ومتسامحة في إسبانيا    "فيفا" يجمّد عضوية اتحاد الكونغو.. هل من تأثير على مجموعة المغرب في تصفيات المونديال؟    شرطة العرائش توقف رجلًا وامرأة متلبسين بترويج المخدرات    برلمانيو شفشاون: طيور الببغاء جزء من المشهد السياحي للمدينة وقرار الحجز عليها فيه حيف وظلم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع التوازن    إعادة انتخاب المغرب في اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية لهيئات مكافحة الفساد    مشروع قانون يؤطر "التروتينيت" في المغرب ويلزم مستعمليها بالخوذة واحترام إشارات المرور    المستشفى المتنقل يحط رحاله بجماعة إملشيل في نسخته الثالثة (صور)    الركراكي يعلن عن اللائحة الرسمية للمنتخب المغربي لمواجهة نيجريا وتنزانيا في هذا التاريخ    متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !    «بيرسا كوموتسي» تترجم أعمالا فلسطينية إلى اليونانية    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    وزيرة الثقافة الفرنسية تحل بالعيون المغربية لافتتاح المركز الثقافي الفرنسي    كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية تستهدف تكوين 30 ألف متدرج في مجال الصناعة التقليدية (لحسن السعدي)    المغرب يشارك بفريق قاري في عدد من السباقات الدولية بتركيا    التامني تسائل وزير التعليم العالي عن مصير طلبة الطب دفعة 2023    المقامرة الخطيرة والتحذير الأمريكي: كيف تحاول الجزائر إشعال المنطقة بتسليح البوليساريو؟    كاني ويست يعلن إصابته بمرض التوحد    الدوزي يشوق جمهوره لجديده الفني "آش هذا"    طنجة تحتضن ندوة علمية حول مشروع قانون المسطرة المدنية: دعوات لتعزيز فعالية العدالة واستقلالية المهن القضائية    لسعد جردة: لم أكن أتوقع العودة بهذه السرعة لتدريب الرجاء البيضاوي    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    إطلاق حملة تلقيح ضد الحصبة بالمدارس وتوزيع استمارة الموافقة على آباء التلاميذ    بنك المغرب: 78 في المائة من المقاولات تعتبر مناخ الأعمال "عاديا"    طنجة.. اختتام منتدى "النكسوس" بالدعوة إلى تدبير مستدام للموارد    مجسّد شخصية زاكربرغ: رئيس "ميتا" تحول إلى "مهووس بالسلطة"    إسرائيل تشيد بمعاقبة المحكمة الجنائية    قرار جديد من السعودية يسهل أداء مناسك العمرة    تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين (وزارة)    رغم التوتر.. كندا تبدي استعدادها للانضمام إلى مشروع ترامب    عمدة ميونخ يرفض استضافة دوري الأمم الأوروبية    تهجير الفلسطينيين: حملة تضليل مكشوفة.. كيف تُصنع الإشاعات لاستهداف المغرب؟    الولايات المتحدة تأمر بوقف عشرات المنح المقدمة لبرنامج الأغذية العالمي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    كأس انجلترا: ليفربول يتأهل للمباراة النهائية بفوز عريض على توتنهام (4-0)    ‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    غوغل تطور تقنيات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتحدي "DeepSeek"    مسيرة عظيمة.. رونالدو يودّع مارسيلو برسالة مليئة بالمشاعر    "جامعيو الأحرار" يناقشون فرص وإكراهات جلب الاستثمارات إلى جهة الشرق    الشاب خالد، نجم الراي العالمي، يختار الاستقرار الدائم مع أسرته في طنجة    إنتاجات جديدة تهتم بالموروث الثقافي المغربي.. القناة الأولى تقدم برمجة استثنائية في رمضان (صور)    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإيمان بالبعث بعد الموت، والأدلة عليه
نشر في أخبارنا يوم 28 - 07 - 2020

البعث هو إحياء الله عز وجل الموتى وإخراجهم من قبورهم يوم القيامة، ويُسمّى يوم المعاد لإعادة الأرواح إلى الأبدان، قال ابن كثير: "البعث هو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة". وقد أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن يُقْسم على وقوع البعث والجزاء وأنه حق لا ريب فيه، وأن بعث الخلق جميعا بعد موتهم أمر لا يُعجز الله تعالى، بل هو عليه يسير، فقال عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(التغابن:7)، قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرا عن المشركين والكفار والملحدين أنهم يزعمون أنهم لا يُبْعثون: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} أي: لتخبرن بجميع أعمالكم، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، {وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي: بعثكم ومجازاتكم". وقال السعدي: "يخبر تعالى عن عناد الكافرين، وزعمهم الباطل، وتكذيبهم بالبعث بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فأمر أشرف خلقه، أن يُقْسم بربه على بعثهم، وجزائهم بأعمالهم الخبيثة، وتكذيبهم بالحق، {وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} فإنه وإن كان عسيراً بل مُتعذِّراً بالنسبة إلى الخلق، فإن قواهم كلهم، لو اجتمعت على إحياء ميت واحد، ما قدروا على ذلك، وأما الله تعالى، فإنه إذا أراد أمراً فإنما يقول له كُنْ فيكون".

الإيمان بالبعث: هو اليقين الجازم الذي لا يتطرق إليه شك بأن الله تعالى سوف يبعث الخلائق بعد موتهم عند قيام الساعة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ}(الحج:7:5)، قال ابن كثير: "لما ذكر تعالى المخالف للبعث، المُنكر للمعاد، ذكر تعالى الدليل على قدرته تعالى على المعاد، بما يشاهد من بدئه للخلق، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ} أي: في شك {مِّنَ الْبَعْثِ} وهو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ}.. {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا} أي: كائنة لا شك فيها ولا مرية، {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} أي: يعيدهم بعد ما صاروا في قبورهم رمما، ويوجدهم بعد العدم".
قال السفاريني في "لوامع الأنوار البهية": "اعلم أنه يجب الجزم شرعاً أن الله تعالى يبعث جميع العباد، ويعيدهم بعد إيجادهم بجميع أجزائهم الأصلية، وهي التي من شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره، ويسوقهم إلى محْشرهم لفصل القضاء، فإن هذا حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة". وقال الشيخ ابن عثيمين: "الإيمان بالبعث: وهو إحياء الموتى حين ينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس لرب العالمين.. قال الله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}(الأنبياء:104)، والبعث: حق ثابت، دل عليه الكتاب والسنة وإجماع المسلمين"

عدم الإيمان بالبعث كفر بالله عز وجل:
الإيمان بالبعث أمر معلوم من الدين بالضرورة، ومُنْكره خارج عن الإسلام، وقد أجمع على ذلك المسلمون سلفا وخلفا ، قال الله تعالى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ}(الرعد:2-5). وقال تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ}(السجدة:10). وقال تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(النحل:38-40). قال ابن عبد البر في "التمهيد": "وقد أجمع المسلمون على أن من أنكر البعث فلا إيمان له ولا شهادة، وفي ذلك ما ينبغي ويكفي، مع ما في القرآن من تأكيد الإقرار بالبعث بعد الموت، فلا وجه للإنكار في ذلك". وقال القاضي عياض في كتابه "الشفا": "وكذلك نقطع على كفر من قال بتناسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص، وتعذيبها أو تنعيمها فيها، بحسب ذكائها وخبثها. وكذلك من أنكر البعث أو الحساب... فهو كافر بإجماعٍ للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواتراً". وقال ابن تيمية: "وطوائف من الكفار والمشركين وغيرهم ينكرون المعاد بالكلية، فلا يقرّون لا بمعاد الأرواح ولا الأجساد، وقد بيّن الله تعالى في كتابه على لسان رسوله أمر معاد الأرواح والأجساد، وردّ على الكافرين والمنكرين لشيءٍ من ذلك، بياناً في غاية التمام والكمال". ويقول البهوتي: "وإذا جحد البعث كفر، لتكذيبه للكتاب والسنة وإجماع الأمة".
إن إنكار البعث يناقض الإيمان، ويتضمن تعطيلاً لأسماء الله تعالى وصفاته وقدرته وحكمته في أن يبعث الناس بعد موتهم ليقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، ويقتص للمظلوم ممن ظلمه، ويُجازى المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}(المؤمنون:115 116). يقول ابن القيم عن هذه الآيات في "التبيان في أقسام القرآن": "فجعل كمال ملكه، وكونه سبحانه الحق، وكونه لا إله إلا هو، وكونه رب العرش المستلزم لربوبيته لكل ما دونه، مبطلاً لذلك الظن الباطل، والحكم الكاذب.. فإنّ ملكه الحق يستلزم أمره ونهيه، وثوابه وعقابه، وكذلك يستلزم إرسال رسله، وإنزال كتبه، وبعث المعاد ليوم يجزى فيه المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، فمن أنكر ذلك فقد أنكر حقيقة ملكه، ولم يثبت له الملك الحق، ولذلك كان منكراً لذلك كافراً بربه، وإن زعم أنه يُقرّ بصانع العالم، فلم يؤمن بالملك الحق الموصوف بصفات الجلال، والمستحق لنعوت الكمال".

والأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية على البعث بعد الموت كثيرة، ومن ذلك:

أولا: أدلة البعث من القرآن الكريم:
اهتم القرآن الكريم بذكر البعث اهتماماً بالغاً، حيث تجلى ذلك في ذكره الكثير من الأدلة عليه، ومن ذلك التنبيه بالنشأة الأولى في الدنيا على النشأة الثانية في الآخرة بالبعث بعد الموت. وقد أوضحت الكثير من الآيات القرآنية أن الله تعالى يعيد المخلوقات بعد أن يموتوا ويبْلَوْا في الأرض، فكما أنه سبحانه أنشأهم أول مرة وأوجدهم من العدم، فإنه لا يعجزه أن يُنشأهم مرة أخرى، ومعلوم أن النشأة الأخرى تكون أهْون من النشأة الأولى، ومن الآيات القرآنية في ذلك قول الله تعالى: {وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً}(الإسراء:49-52).وقوله سبحانه: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى}(القيامة: 36-40)، وقوله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}(يس:7779).
قال ابن أبي العز الحنفي: "فلو رام أعلم البشر وأفصحهم وأقدرهم على البيان، أن يأتي بأحسن من هذه الحُجة، أو بمثلها بألفاظ تشابه هذه الألفاظ في الإيجاز ووضح الأدلة وصحة البرهان لما قدر، فإنه سبحانه افتتح هذه الحجة بسؤال أورده ملحد، اقتضى جوابا، فكان في قوله: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}(يس:78) ما وفَّى بالجواب، وأقام الحجة وأزال الشبهة لما أراد سبحانه من تأكيد الحجة وزيادة تقريرها فقال: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}(يس:79)، فاحتج بالإبداء على الإعادة، وبالنشأة الأولى على النشأة الأخرى. إذ كل عاقل يعلم ضروريا أن من قدر على هذه قدر على هذه".
وقد أخبرنا الله تعالى كذلك في الكثير من الآيات القرآنية عن وقوع البعث بعد الموت، بالتنبيه والإشارة إلى أمر مشاهد أمام أعيننا وهو خلق السموات والأرض، فالذي خلق وأبدع السماوات والأرض على عظم شأنهما وسعتهما وعجيب خلقهما، أقدر على أن يحيي عظاما قد صارت رميما، فيردها إلى حالتها الأولى، فالذي يصنع الأمر العظيم لا يعْسر عليه أن يعيد صنعه مرة أخرى، ويصنع الأمر الأصغر منه من باب أولى، قال الله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(غَافِرٍ:57). ومن الآيات القرآنية في ذلك قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(الأحقاف:33)، وقوله سبحانه: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}(الأنبياء:104). وقوله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا}(الإسراء:99).

ثانيا: الأدلة من الأحاديث النبوية على البعث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني (تجرَّأُ عليَّ ووصفني بما يَقتضي النَّقص) ولم يكن له ذلك، فأمَّا تكذيبه إيَّاي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أوَّل الخلق بأهون عليَّ من إعادته. وأما شتمه إيَّاي فقوله: اتَّخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحدا) رواه البخاري. قال المناوي: "وأما تكذيبه إياي فقوله: "ليس يعيدني كما بدأني" وهذا قول منكري البعث من عبدة الأوثان".
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (إنَّ العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاءِ ففتَّه بيده ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيحيي الله هذا بعد ما أَرَمَّ (بَلِيَ)؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: نعم، يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم. قال: ونزلت الآيات من آخر "يس") رواه الحاكم.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمنُ عبدٌ حتَّى يؤمن بأربعٍ: بالله وحده لا شريك له، وأنِّي رسولُ الله، وبالبعث بعد الموت، والقدَر) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

ومع الأدلة الكثيرة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية على الإيمان بالبعث بعد الموت، فإن العقل السليم والفطرة السوية أيضا من دلائل الإيمان بالبعث بعد الموت، فالبعث والمعاد بعد الموت معلوم بالعقل والفطرة مع الشرع، فالقادر على الخَلق مِنْ عدَمٍ قادر على إعادة الخلق بعد فنائه، قال ابن أبي العز الحنفي: "الإيمان بالمعاد مما دلّ عليه الكتاب والسنة، والعقل والفطرة السليمة". ومن ثم فإن عدم الإيمان باليوم الآخر وبالبعث بعد الموت، كفر بالله عز وجل، وتكذيب للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومخالف للعقل السليم والفطرة السوية، وفيه سوء ظن بالله عز وجل، كما قال ابن القيم في "زاد المعاد": "ومن ظنّ أن الله لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دارٍ يجازي المحسن فيها بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويبيّن لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ويظهر للعالمين كلهم صدقه، وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظن به ظن السوء".

الحياة الدنيا ليست نهاية المطاف، والموت لا يعدو كونه انتقالا من حياة فانية إلى حياة باقية، وإنكار الكفار - قديمًا وحديثًا للبعث، سببُه استبعادهم إعادة الأجسام بعد الموت بعد أن تصير ترابًا وعظاماً، ويقولون: كيف يُبعث الإنسان بعد أن بَلِيَ وصار ترابًا وعظامًا؟! وهو استبعاد ناشئ عن جهلهم بقدرة الله عز وجل، وقياسهم قدرة الخالق على قدرة المخلوق، وعلم الخالق على علم المخلوق، وقد قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(يس:77 83).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.