في إطار مواصلة تنزيل التدابير الضرورية التي من شأنها العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية وإعادة تحريك ناعورة الاقتصاد الوطني، قررت الحكومة المرور إلى المرحلة الثالثة من مخطط تخفيف الحجر الصحي ابتداء من يوم 19 يوليوز الجاري عند منتصف الليل، بالسماح للمؤسسات السياحية باستعمال 100 % من طاقتها الإيوائية، ودون تجاوز 50 % بفضاءاتها المشتركة (مطاعم، مسابح، قاعات الرياضة ...) والسماح باستخدام 75 % من الطاقة الاستيعابية للنقل العمومي بين المدن وداخلها وفق شروط محددة، وترخيص تنظيم اللقاءات الرياضية الرسمية بدون حضور الجمهور، وترخيص التجمعات والأنشطة التي يجتمع فيها أقل من 20 شخصا، والإذن بافتتاح المراكز الثقافية والمكتبات والمتاحف والمآثر في حدود 50 % من طاقتها الاستيعابية، مع قرار الإبقاء على جميع القيود الاحترازية الأخرى المقررة سابقا في إطار حالة الطوارئ الصحية، من قبيل منع الأفراح وحفلات الزواج وقاعات السينما والمسابح العمومية والجنائز ... واعتبارا لهذه الحزمة الجديدة من الإجراءات التخفيفية، نرى أن الكرة لازالت ملقاة في مرمى "المواطن" الذي لا مناص له من التقيد بما صدر عن السلطات الصحية من إجراءات وتدابير وقائية واحترازية، بعيدا عن مفردات العبث أو التهور أو التراخي أو الانفلات، أما الحكومة بمختلف أجهزتها، فهي تراهن على الوعي الفردي والجماعي، بشكل يسمح بإنجاح تنزيل مختلف هذه التدابير، خاصة في ظل ما تطرحه العطلة الصيفية ومناسبة عيد الأضحى المبارك من تحديات ومخاطر صحية، تفرض المزيد من التعبئة الجماعية والتحلي بالمزيد من الحذر واليقظة والتقيد الصارم بكافة الإجراءات الوقائية والاحترازية الصادرة عن السلطات الصحية، وفي مرمى الوحدات الإنتاجية الصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية التي يفترض أن تتقيد بما فرضته السلطات العمومية من إجراءات وتدابير خلال هذه المرحلة الثالثة من التخفيف، وفي هذا الصدد، قد يقول قائل أن الحكومة بمختلف أجهزتها ومصالحها، لابد أن تضطلع بمسؤولياتها كاملة في مراقبة وتتبع مدى الالتزام بما تم إقراره من إجراءات وتدابير وقائية واحترازية سواء تعلق الأمر باستعمال الكمامات أو التقيد بمسافات الأمان والتباعد الجسدي وتفادي السفر إلا للضرورة، أو باحترام النسبة المسموح بها من الطاقة الإيوائية والاستيعابية فيما يتعلق بالمؤسسات السياحية ووسائل النقل العمومي والمراكز الثقافية والمكتبات والمتاحف وتفادي التجمعات والأنشطة التي يجتمع فيها أكثر من 20 شخصا ... إلخ، وترتيب الجزاءات المناسبة في حق المخالفين، وبقدر ما نزكي هذا الطرح، بقدر ما نرى أنه يصعب تنزيل أي بروتوكول صحي أو الاستمرار التدريجي في توسيع نطاق إجراءات التخفيف، في غياب وعي الإنسان / المواطن بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومغزى. وفي هذا الصدد، نجد أنفسنا مجبرين على توجيه البوصلة نحو "منظومة التربية والتكوين" التي تقتضي اليوم "إرادة حقيقية" بعيدة عن لغة الحسابات والمصالح الضيقة، تسمح بإحداث ثورة إصلاحية تعليمية رصينة، بعيدة عن مشاهد الارتباك، تتحقق معها أهداف ومقاصد إرساء دعامات تعليم عصري فعال وناجع، يشكل "بيئة سليمة" تتيح فرصا للإبداع والخلق والابتكار والتميز، وتطلق العنان للمواهب والطاقات والقدرات، بشكل يسمح ببناء الإنسان/المواطن المتسلح بقيم المواطنة الحقة وما يرتبط بها من مسؤولية وتضحية ونكران للذات واحترام للقانون ونزاهة وانضباط واستحضار للمصلحة العليا للوطن، والذي يمكن أن تعول عليه الدولة في مسلسل البناء والارتقاء، كما في لحظات الأزمات والنكبات والجوائح والحوادث الفجائية، لذلك، وفي ظل ما أبانت عنه جائحة كورونا من دروس وعبر، نرى أن الرهان على المستقبل، لا يمكن أن يتم إلا عبر الرهان على بناء الإنسان الذي يكون للدولة شريكا في البناء والإصلاح والتنمية والارتقاء، وهذا المسعى يمر قطعا عبر تعليم عصري على مستوى المناهج والبرامج والأطر المرجعية للامتحانات وطرائق التدريس ومنظومات التقويم، يحظى فيه المدرس(ة) بكل شروط الدعم والالتفاتة والتحفيز والاعتبار، باعتباره محرك الإصلاح وأساسه ودعامته، والإبقاء على المشهد التعليمي على ما هو عليه من ضبابية وارتباك وانعدام رؤية، لن يكون إلا إسهاما في "صناعة عقول مرتبكة" لن تشكل إلا وزرا ثقيلا على الدولة، وضريبة باهظة من شأنها إعاقة الوطن وتمنعه من فرص النهوض والارتقاء ... ومن يربط إصلاح حقل التعليم بمحدودية الإمكانيات وضعف الوسائل وإكراهات الميزانية، نذكره أن تكلفة "ضريبة الجهل" أثقل وأغلى وأخطر ...