كشفت دراسة ميدانية حول "ظاهرة الاستغلال الجنسي للقاصرات" أعدها منتدى الزهراء للمرأة المغربية بشراكة مع الشبكة العربية للمنظمات الأهلية أن تدني القيم التربوية للأسرة وتراجع دورها والحاجة المادية وغياب دور المدرسة أسباب أساسية وراء تعرض القاصرات للاستغلال الجنسي. وأوضحت رئيسة المنتدى السيدة بثينة قروري٬ خلال عرضها لنتائج الدراسة خلال ندوة صحفية اليوم الخميس بالرباط٬ أن الدراسة تبين أن الوسط الأسري لمعظم القاصرات اللواتي تعرضن للاستغلال الجنسي " أمي ومضطرب ومشحون بالخلافات ولا يبالي بهن ويفتقد للحب والحنان٬ مقابل إعلاء القيم المادية على حساب القيم التربوية". كما رصدت الدراسة٬ حسب السيدة قروري٬ ضعف متوسط الدخل الشهري لهذه الأسر وعدم قدرتها على تلبية الحاجيات والمتطلبات الأساسية لهؤلاء الفتيات المعرضات بشكل أكبر للهدر المدرسي٬ في ظل ضعف الآليات المعتمدة لإعادة إدماجهن داخل المنظومة التعليمية٬ مما يجعلهن عرضة للانحراف والضياع وسيطرة المشاعر السلبية. وتعاني بالفعل 55 في المئة٬ من بين 419 قاصرة تعرضت للاستغلال الجنسي شملتهن الدراسة٬ من وضعيات أسرية مضطربة وغير مستقرة٬ و67,3 في المئة من آبائهن لا يستطيعون فرض الانضباط داخل البيت٬ في حين تفتقد 56 في المئة منهن للحب والاهتمام داخل أسرهن وتعرضت نسبة هامة منهن للعنف الأسري إما بشكل دائم (42,7 في المئة) أو مناسباتي (37 في المئة). وتحتل القيم المادية الصدارة لدى هذه الأسر٬ خاصة المال بنسبة 37,2 في المئة٬ خاصة أن 39,1 في المئة من الأسر تعاني من ضيق مالي كبير٬ حيث يصل متوسط الدخل الشهري لأسر فتيات العينة حوالي 2300 درهم بما يقل عن المتوسط العام للدخل الأسري في المغرب (5300 درهم حسب المندوبية السامية للتخطيط). واضطرت 60 في المئة من هؤلاء الفتيات لولوج عالم الشغل عموما بإرادتهن٬ مقابل 38,2 أجبرن على ذلك من قبل العائلة٬ في حين تقر 50,4 في المئة من القاصرات المستغلات أن الحاجة المادية هي التي دفعتهن للقبول بوضعية الاستغلال الجنسي. وبعيدا عن الزمن المدرسي والزمن الأسري٬ تجد القاصرات غالبا ملاذا في عالم الأصدقاء كبيئة تنشئة موازية٬ خاصة في فترة المراهقة٬ حيث إن 67,1 في المئة ربطتهم علاقات حميمية مع أصدقاء من الجنسين و57,6 في المئة تأثرن بآراء وتوجهات أصدقائهن و49,6 في المئة اعترفن أن هذه العلاقات هي السبب في وضعيتهن الراهنة وحوالي 60 في المئة ندمن على مخالطات سابقة. ويعد الشارع المجال الرئيسي للاستغلال الجنسي (حوالي 45 في المئة)٬ إلى جانب مجال العمل (20,5 في المئة)٬ والعائلة (15 في المئة)٬ والمدرسة (10,3 في المئة). كما أن الفئة العمرية (11-16 سنة) الأكثر تعرضا للاستغلال الجنسي (70 في المئة) و40 في المئة سلمن بواقع الاستغلال دون أي رد فعل يذكر٬ مقابل 26 في المئة أخبروا أسرهن و5,2 أبلغوا الشرطة أو جهات أخرى. وبالنسبة للآثار المترتبة عن الظاهرة٬ أصيبت 37 في المئة من القاصرات بجروح و15 في المئة بحالات التهاب الأعضاء التناسلية (15 في المئة) وكدمات وقروح٬ إلى جانب الآثار النفسية الخطيرة التي تتوزع ما بين مشاعر الانتقام في المقدمة (21 في المئة) ثم الاكتئاب (18 في المئة) والشعور بالذنب (14,4 في المئة) والتعرض للكوابيس. كما تكشف الدراسة مظهرا آخر للاستغلال الذي تتعرض له القاصرات اللواتي يقمن علاقات إزاء مقابل مادي هزيل في الغالب٬ حيث إن 28,4 في المئة حصلن على أقل من 50 درهما و24,5 في المئة على ما بين 100 و200 درهم و18,7 في المئة ما بين 50 و100 درهم٬ ولا توجد أية علاقة دالة إحصائيا بين المقابل المادي المحصل عليه والشعور بالرضى من عدمه لدى القاصرات. ويوجد ارتباط كبير بين التعاطي للمخدرات والتعرض للاستغلال الجنسي لدى هؤلاء القاصرات٬ حيث إن 42,7 في المئة منهن يتعاطين للمخدرات بجميع أنواعها٬ و36 في المئة للكحول٬ و21,3 للحبوب المهلوسة ويبدأ التعاطي في سن مبكرة (13-15 سنة). ولتقييم صورة الذات والتوافق النفسي لدى هؤلاء الفتيات٬ قارنت الدراسة هذه العينة مع عينة أخرى ضابطة (200 فتاة) لم تتعرض للاستغلال الجنسي وتتميز بنفس خصائص العينة الأولى٬ حيث تبين وجود صعوبات حقيقية لدى القاصرات المستغلات جنسيا في تقدير ذواتهن بشكل إيجابي وأن التوافق النفسي لديهن أقل من الفتيات العاديات وأنهن أقل قدرة على الاندماج بشكل إيجابي في المجتمع. وتنتمي 51 في المئة من القاصرات اللواتي شملتهن الدراسة للفئة العمرية 16-17 سنة٬ و50 في المئة منهن من الوسط الحضري و67 في المئة من حي شعبي وحوالي 77 في المئة منهن انقطعن عن الدراسة أو لم يلجن المدرسة بتاتا. وتتوخى الدراسة التي اعتمدت منهجا استكشافيا ووصفيا وتحليليا٬ حسب السيدة قروري٬ الكشف عن الواقع الاجتماعي للظاهرة وآثاره المتعددة على شخصية القاصرات ولفت انتباه المسؤولين لخطورتها ومدهم بالمعطيات اللازمة حولها واقتراح حلول لمعالجتها والترافع من أجل الحد منها. وخلصت رئيسة المنتدى إلى أن هناك حاجة ليس فقط لمعالجة الظاهرة وإنما لمعالجة الأسباب العميقة الكامنة وراءها٬ وذلك في إطار مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار إعادة الاعتبار لدور الأسرة وسلطة الآباء في ترسيخ القيم التربوية٬ مؤكدة أن التشريعات المغربية لاتزال قاصرة وتشوبها ثغرات في ما يتعلق بالجانب الزجري في هذا المجال. متابعة