في ظل الحجر يقضي الزوجان اليوم كاملا معاً في نفس المنزل، كل وجبات الطعام، كل الأعمال المنزلية وكل النشاطات تتم في نفس المكان، ولا ينتهي الأمر حينها، بل يأتي يوم آخر بنفس السيناريو المتكرر، ولا نعرف متى سيتوقف الحجر الصحي بسبب عدوى فيروس كورونا المستجد، والذي على أثره زاد العنف المنزلي في كل دول العالم تقريباً. * العنف المنزلي ينتشر في كل دول العالم لم تشفع الحياة في الدول الغربية في أن يكون حجم العنف المنزلي أقل منه في الدول الشرقية، كذلك لم يمنع التدين في الدول الشرقية من زيادة العنف المنزلي، فعلى سبيل المثال زاد العنف المنزلي في فرنسا بنسبة 30% أثناء الفترة السابقة.
أما في تركيا فيشير هذا التقرير إلى أن العنف المنزلي زاد بنسب غير مسبوقة في فترة الحجر المنزلي.
في الحياة الطبيعية يعاني أكثر من ربع النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من العنف المنزلي من أزواجهم، وتقول ليلى في تقرير أعدته الوكالة الألمانية للأنباء: "لقد صار العنف ضدي من زوجي حدثا يوميا مثل الماء والشرب، أنا لا أعرف شيئا آخر". التقرير نفسه يذكر الزيادات الكبيرة في العنف ضد المرأة في الشرق الأوسط، مع عدم القدرة على رصد نسب الزيادة في تلك الفترة، إلا أن ناشطات الحقوق النسوية يدققن جرس إنذار لمحاولة تدارك الموقف، والعمل على الحد من العنف المنزلي.
أما في الدول العربية، فيوضح التقرير التالي مدى العنف الذي تتعرض له المرأة خاصة أيام العزل المنزلي حيث تقول لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا): "إن العنف المنزلي والتحديات الاجتماعية التي تواجهها النساء والفتيات في المنطقة العربية تفاقمت بعد اندلاع أزمة كورونا".
بسبب هذا الانتشار الواسع في العنف المنزلي ضد النساء بالأخص، وجه الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس نداء عاجلا للعالم: "السلام ليس فقط غياب الحرب، حيث تواجه العديد من النساء اللواتي يتعرضن للحجر المنزلي بسبب عدوى فيروس كورونا المستجد العنف، فيما يجب أن يكنّ أكثر أمانًا في منازلهن. أناشد اليوم السلام في منازل حول العالم. إنني أحث جميع الحكومات على وضع سلامة المرأة أولاً عند استجابتها للوباء".
* ما هو العنف المنزلي تحديداً؟ وما هي صوره؟ العنف المنزلي هو نمط من السلوك المسيء في أي علاقة يستخدمها أحد الشركاء لكسب أو الحفاظ على السيطرة على شريك حميم آخر، وتتعدد صور العنف ضد المرأة، وقد تكون واحدة من الصور الآتية: العنف الجسدي: يمكن أن يشمل الاعتداء الجسدي الضرب والعض والصفع والضرب والدفع واللكم وسحب الشعر والحرق والقص والقرص وما إلى ذلك (أي نوع من السلوك العنيف الذي يلحق بالضحية)، وتتضمن الإساءة الجسدية أيضًا حرمان شخص ما من العلاج الطبي، وإجبار شخص على تعاطي المخدرات/ الكحول. العنف الجنسي: يحدث الاعتداء الجنسي عندما يكره المعتدي أو يحاول إكراه الضحية على الاتصال الجنسي أو السلوك الجنسي دون موافقة الضحية، وغالبًا ما يتخذ هذا شكل الاغتصاب الزوجي، أو مهاجمة أجزاء الجسم الجنسية، أو العنف الجسدي الذي يتبعه إجبار على الجنس، أو تحقير الضحية جنسياً، أو حتى قول النكات الجنسية على حساب الضحية. الابتزاز العاطفي: مثل التحقير المستمر وعدم التقدير، والتسمية بأسماء غير محببة. الإساءة الاقتصادية: حيث يجعل المعتدي الطرف الآخر يعتمد عليه مادياً، ثم يتعمد بعد ذلك حرمانه من الحصول على الأموال أو الذهاب للعمل. التهديد والتخويف والتجسس والمضايقة بأي شكل سواء عن طريق الإنترنت أو التواجد في مكان العمل على غير رغبة الضحية. * أسباب ودوافع العنف المنزلي فلماذا تحدث كل تلك الأشكال من العنف المنزلي وخاصة من قبل الرجل؟ تتعدد الأسباب حول الأسباب والدوافع لذلك السلوك: أجرى موقع سيكولوجي توداي دراسة استقصائية، أثبتت أن 74% من النساء اللاتي يلاقين عنفاً أسرياً سببه سوء الحالة الاقتصادية للمرأة واعتمادها بشكل أساسي على الرجل. ايضاً هناك عاملان نفسيان لا بد أن نتعامل معهما لندرك مدى تجذر الأزمة في داخل نفس المعنِف، وهما:
الصوت الداخلي النقدي داخل الرجل مثل: "لست رجلاً إذا لم تتحكم بها" أو "إنها تخدعك طوال الوقت". الرابطة الخيالية كما يسميها عالم النفس روبرت فايرستون ومعناها: الشعور بأن شخصًا آخر يمكن أن يجعلك كاملًا، وأن هذا الشخص مسؤول عن سعادتك. فمن خلال تلك الديناميكيتين يمكننا فهم سبب الإيذاء، وسبب قبوله أو عدم التصدي له، ومحاولة فهم الأسباب تلك ليست دافعاً لتقبلها، بل محاولة لفهم ما يدور داخل النفس حتى نستطيع الوصول إلى إمكانية وضع حلول لإيقاف تلك المشكلة أو الحد منها.
العديد من الأشخاص الذين يمارسون أسلوب العنف هم من مورس ضدهم التعنيف يوماً ما، أو كان بين أفراد أسرة حدث بينها العنف الأسري، ففي كثير من الأحيان هي عبارة عن دائرة مغلقة، والحل الأمثل فيها هو كسر تلك الدائرة للحد من العنف بشكل ما.
من الأزمات التي دائما ما تهدد المرأة أو الطرف الضحية هو استهانته بالإساءات البسيطة، ولا يعرف أنه كالعقد، إذا انفرطت حبة، فالمؤكد أن العقد سينفرط جميعه، وهناك حالات كثيرة من العنف الأسري بدأ بتهديدات تكاد تكون بسيطة في نظر الضحية مثل رفع الصوت والإساءة بأسلوب قد يتخيله البعض أنه أمر بسيط، لكن الحقيقة أن هذا الأمر لا يتوقف عند هذا الحد أبداً، بل الشخص الذي يتعمد الإساءة لا يوقفه إلا عدم الموافقة على الإساءة وعدم تجاوزها. * كيف يمكن وقف العنف الأسري والتصدي له علاج هذا السلوك ضد المرأة يبدأ برفضه، وذلك من خلال الاستراتيجيات التالية: تعرفي على العلامات التي قد تدل على أن زوجك يؤذيك: مثل الجرح النفسي، وعدم الاحترام أمام الآخرين، والتحكم في الحياة المادية، وعدم السماح للمرأة بالعمل أو بالاستقلال المادي، الغيرة المتواصلة من كل شيء، التقليل منك ومن قدراتك، الإجبار بقوة على ممارسة العلاقة الحميمة، كل هذه العلامات هي دليل على أن شريكك يؤذيك، وهذا الأذى قد يتطور ليصبح إيذاء جسديا، لذا من المهم ألا تتجاهلي العلامات تلك، وأن تصغي إليها. لابد أن يتم رفض الإساءة في أول مرة، وهو الأسلوب الأكثر نجاعة في إيقاف العنف المنزلي، فإذا أساء لك زوجك أو شريكك وكانت الإساءة الأولى، لا بد أن تكوني حاسمة في هذا الأمر إذا كنت تودين الحفاظ على نفسك وعلى العلاقة التي بينكما. لا تلومي نفسك أبداً في حال حدوث العنف من شريكك، ولا تسمحي بتقبل اللوم من شريكك المعنِف لك، فلا شيء في القواعد الاجتماعية أو الدينية يسمح بأذيتك، ومن هنا ستكون نقطة الانطلاق للدفاع عن نفسك. ضعي الخطة البديلة في حال حدوث العنف واستمراره وجهزي حقيبة الطوارئ التي قد تضطرين لاستعمالها في حالة حدوث العنف: في المجتمعات الغربية قد يكون هناك بدائل مثل دور للمعنفين من النساء، أما في مجتمعاتنا العربية، فيكون الأهل أو الاقارب أو الأصدقاء هم الملجأ في حالة حدوث العنف والتواصل معهم في حالة حدوثه لعدم تكراره. في حالة عدم وجود البدائل واستمرار العنف، لا بد من الاتصال بالشرطة لحماية نفسك وأولادك.
* الخلاصة العنف المنزلي ظاهرة لا يمكن إنكارها ولا يصح أن نغمض أعيننا عنها، فهو من الأمور التي تحدث في مجتمعاتنا العربية بشكل مستمر بل ويومي. لابد لنا جميعاً أن نرفضه وأن نشارك في التوعية ضده، وأن نقدم برامج تأهيل للرجال وتعليمهم أن العنف ضد المرأة ليس دليلاً على الرجولة والنخوة، بل هو عكس ذلك تماماً.
ولابد من توجيه المرأة وتنبيهها أن العيش في حالة من العنف والانكسار ليس حفاظاً على الأسرة، بل العيش في أسرة مهدمة هو أكثر تعاسة للأطفال. لا بد أن تتخذ المرأة خطوات جدية نحو الاستقلال المادي في تلك الحالات خاصة لأن بقاءها في ظل علاقة معنفة هو أمر قد لا يدوم طويلاً، ولو دام طويلاً فسوف تكون ويلاته أكثر.