لا شك أن المجتمع المغربي، كغيره من مجتمعات العالم، يمر بلحظات استثنائية غير مسبوقة في تاريخه العريق بسبب تفشي وباء كورونا وما تبعه من إجراءات الحجر الصحي المفروض، وتقييد حركية التنقل بين المدن والقرى. ولا نعلم متى سيزول هذا الوباء، كما لا نعرف النهاية التي ستؤول إليها الأوضاع العالمية والوطنية، فالمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات. في هذه المقالة نود التنبيه إلى بعض المنزلقات التي يمكن أن يسقط فيها الفرد من حيث يدري أو لا يدري، كما نود أن نسجل بعض البشارات التي لمحناها على مجتمعنا إثر هذه الجائحة. الإنذارات والمحاذير:
أولا، السديانية: وهي من السدى الذي يفيد العبثية والباطلية، إذ ثمة نزعة سديانية قد تنمو وتزداد بسبب تفشي الوباء عالميا ووطنيا، مما يكرس نظرة بعض الأفراد إلى عبثية الطبيعة ولا معقوليتها، ففي حسبان بعضعم أن انبعاث الفيروس من جديد وانتشاره وموت عدد مهم من الناس بسببه مؤشر على انعدام قوى إلهية تتحكم فيها. إن مثل هذه النظرة إلى الحياة والطبيعة لا يمكن إلا أن تزيد من تغذية روح الإلحاد، وهو ما يمكن أن يكثر في حالات الأزمات، فالجهل بالفيروس وانعدام أجوبة حقيقية عن طبيعته وآثاره وكيفية اشتغاله وموت الأقارب به ينجم عنه تكريس سدى الطبيعة وباطليتها، وبالتالي ازدياد اعتناق الفكر الإلحادي.
ثانيا: السوداوية: يبالغ بعض الأفراد داخل المجتمع في تقييم حجم الأزمة وسوء الأوضاع، وقد ينشر بوعي أو غير وعي ثقافة التشاؤم واليأس والاستسلام أمام تفشي الوباء وازدياد الحالات يوميا، الأمر الذي ينجم عنه حالة من الارتباك النفسي والاجتماعي يصيب أفراد المجتمع وينعكس على سلوكاتهم عاجلا أو آجلا. إن النزعة السوداوية لا تجلب إلا الشر والخيبة والبؤس، فعوض البحث عن حلول وتدابير ناجعة تحد من تسرب الفيروس، يكتفي أصحاب السوداوية بالتشكي والبكاء على الحاضر والمستقبل دون تقديم أي اقتراح بديل لتغيير الوضع. ولمواجهة هذه النزعة، رأينا مجموعة من المبادرات المدنية الساعية إلى نشر ثقافة التفاؤل والأمل والفرح لمحاربة كل ما هو سوداوي تشاؤمي.
ثالثا: السدانية: ثمة سد منيع وحد دقيق للعلاقات الاجتماعية في زمن كورونا، فلم يعد ذلك التفاعل الاجتماعي المبني على التلامس المباشر والعضوي بين الأفراد، فكل فرد يسد على نفسه في منزله. إن دعوات التباعد الاجتماعي التي نسمعها يوميا، بل في كل لحظة، والتي تطلب منا البقاء في المنزل قد ينتج عنها ما لا يحمد عقباه إذا لم يعرف الفرد كيف يتعامل معها، فالأخبار الصحية تحبذ أن يسد كل فرد نفسه عن نفسه، وأن يتجنب ملامسة الغير والأشياء، حتى أضحى الفرد يخشى من ملامسة ذاته خوفا من وقوعها في المرض. ويبقى السؤال هو: كيف يمكن أن نقضي مرحلة السدانية هاته في سلام وبأقل الأضرار؟
رابعا: السيدانية: النزعة السيدانية قديمة ولا يمكن أن تندثر من مجتمعاتنا التقليدية ونراها ترجع في زمن الكورونا بطريقة بشعة ومقيتة، فبعض المسؤولين الذين يمتلكون سلطة تنفيذ القانون يمارسون جبروتهم بكيفية أقل ما يقال عنها أنها غير إنسانية، ذلك أنهم ينفذون القانون، أو لنقل ينفذون غاية القانون، بوسائل خسيسة، فماذا نسمي نزع ممتلكات الباعة المتجولين ومحاصرتها ومصادرتها وإلقائها في الشاحنات بكيفية عنيفة وفجة؟ وماذا نسمي حبس الناس لسنوات بتهمة إبدائهم الرأي الحر والذاتي حول ما يروه في المجتمع؟ إن بعض الممارسات الإكراهية قد تذكرنا بالاستبداد القديم الذي يمارسه السيد على العبد، هذا الأخير الذي يتعين عليه الطاعة العمياء ولا يحق له المناقشة، فالخوف كل الخوف من هذا المنزلق اللعين.
أما البشارات فهي:
أولا: سدنية المجتمع: ازدادت معرفتنا بسدنة المجتمع الحقيقيين مع وباء كورونا، ويأتي على رأسهم الأطباء والممرضين سدنة الصحة وخادمو المجتمع بحق، إذ إن تضحياتهم بحياتهم في سبيل حياة الغير لدليل على وفائهم بعهدهم في خدمة الحياة، ثم نجد أيضا في لائحة السدنة كل من أصحاب الأمن والتعليم والتجارة والمواصلات....، الذين برهنوا على دورهم الفعال في خدمة الصالح العام، فخدمتهم، رغم ما يتلقونه من مقابل مادي عليها، إلا أنها تظل ذات قيمة عالية وغالية.
ثانيا: سدادية الدولة: نهجت الدولة مقاربة اجتماعية للحد من تداعيات الوباء على الوضع الاقتصادي والاجتماعي بتخصيص مساعدات مادية للمعوزين الذين تضرروا بفقدانهم للشغل، وعليه عملت الدولة على أن تسدد ما في ذمتها إلى مواطنيها، بحكم أنها الراعية لهم والحامية لحقوقهم، ومن أهم الحقوق التي يملكها المواطن تجاه دولته حق الشغل. وهنا نتساءل، هل حقا ما تسدده الدولة من أموال شهرية لمواطنيها الفقراء كاف لتلبية حاجاتهم على مدى 30 يوما؟ هل تستطيع الدولة أن تستمر في دعمها لهذه الطبقة المسحوقة حتى ما بعد كورونا؟ إذا كانت الدولة قادرة على تسديد المساعدات المالية في لحظة التأزم الإقتصادي، فما الذي يمنعها من سداد المساعدات المالية للفقراء والمساكين في حالة الرخاء الاقتصادي؟
ثالثا: سديدية الإعلام: ارتقى الإعلام الوطني، رغم ما يعتريه من مساوئ ونقائص، إلى الإعلام الموجه والمساعد في تنوير أفراد المجتمع بالمستجدات العالمية والمحلية. غير أننا نشهد بين الفينة والأخرى شائعات خطيرة تهدد السلامة الاجتماعية والنفسية لأفراد المجتمع. وبالتالي فالمجهود الكبير الذي يبدله الإعلام في قول القول السديد الذي ينفع الناس ويطمئنهم يستحقون عليه الشكر والتقدير، فليس من السهل أن تجابه ضلال الكلمة الشعواء والصورة الخادعة في عالم انتشرت فيه الميديا بشكل رهيب إلى درجة أن كل فرد أضحت له قناة خاصة على الأنترنت. خلاصة القول، نحن في ظروف استثنائية، تحتاج منا الحذر من الوقوع في السديانية والسوداوية والسيدانية والسدانية، وتشجيع كل المبادرات التي تنبعث من المجتمع بكل أطيافه سواء كانت سدنية أو سدادية أو سديدية.