في ظل هذه الظروف والتي جمعت كل الموبقات،قرنت بين الحصار والبعد والفقد وكدمات ما بعد الحادثة التي تعرضت لها مؤخرا،حلفت الحمى بالطلاق وأصرت على الإدلاء بدلوها هي الأخرى،وهي التي لا تنسى زيارتي عقب كل خرجة،كل دعوة،كل مناسبة عائلية... عندما طرقت الحمى المقيتة بابي ليلا،جربت بعض ما علق بالذاكرة،من وصفات امي البعيدة،هناك،جربت استنشاق القرنفل الممزوج بزيت الزيتون،بعد وضعه في حمام مريم،لكن يبدو أن الحمى كانت أقوى من القرنفل وزيت الزيتون ومن مريم..
وبكل العناد،شمرت على ساعد الجد ولجأت إلى القرفة،بنفس خطوات تحضير القرنفل،لكن حرارتي كان لها رأي آخر. .
وفي الصباح،جاء الفرج،واكتملت الباهية،عندما تورمت اللوزتان ،واغلقت حنجرتي جراء ترامي الحلاقم على مساحات شاسعة من أملاك مسالكي التنفسية،فلم أعد ابلع إلا بصعوبة..كل هذا الويل لأني أخذت دشا وجلست في الشرفة،لتامل ملكوت الله.
اتصلت بوالدتي،شكوت لها الحمى التي كانت لا تنسى معايدتي في المناسبات الهامة،دون دعوة،وفي أشد الأوقات التي انا بحاجة فيها إلى الراحة والتركيز،وشكوت اللوزتين وحرهما،فشرعت في الفتوى العشبية،كانت ترمي وانا ألتقط. .
مضمضت بخليط مقزز يجمع بين النيسكافيه والحامض،أغمضت عيناي الما،رقصت رقصات وجع هندية،قبل أن يبدأ المفعول
تورمت لوزتاي أكثر،وازداد عنادي،كنت مصرة على التشافي بالخلطات،فأنا هنا بعيدة،ولا يمكن ان انزل إلى الصيدلية،فالرعشة كانت تجعل أسناني تصطك كلما هبت نسمة هواء بالقرب مني،كما ان كرامتي كانت تقف لي بالمرصاد،تمنعني من تكليف أحد،وارساله لجلب الدواء،أخجل ولا أقوى على التصريح بطلباتي، حتى ولو كانت ..دواء.
نخرت بعصير الحامض،النخور هو التقطير في الانف،ولا يمكنك تصور الألم عقب النخور بالحامض،يااااه،كنت اتصنع القوة لكن دموعي السخيفة كانت تفضحني،تذكرت أستاذا كان يلقبني بالفتاة المصنوعة من الزبدة،وآخر كان يقول اني أكثر هشاشة من البلور،وآخر طلب من الفتيات اللواتي يقمن بتحضير الخبز رفع الأيادي،وعندما رفعت يدي،وقد بدأت في العجن قبل ان أحفظ حروف اللغة الفرنسية،فما كان منه إلا أن أخذ بكفي بين يديه،قلبهما جيدا،قبل أن يبتسم قائلا "لا اظنهما تصلحان للعجن. .أنهما كالمخمل"..فعلا انا فتاة هشة،عادة أخرج عيناي واهز كتفاي في عناد،لكن عندما امرض،اتيقن من هشاشتي..
لم ينفع معي أي عشب او فاكهة او خضر،تذكرت "ساشي" رينوميسين،أظنه تبقى من آخر نزلة برد،هرعت إلى حقيبتي العملاقة،بدأت في البحث بين أكوام الملاحف والكساوي وحمالات الصدر والكلسونات،تبا! ما اكثرهم،وفي النهاية وجدت الكيس الصغير..
عانقته بحرارة،قبلته،عاتبته،وهي أفعال نقوم بها نحن معشر الفتيات مع الأشياء الغالية،الأمر لا يتطلب تدخل مستشفيات الأمراض العقلية، فالعاقلة فينا على استعداد للدخول في مجادلة مع مسمار إذا مازحنا وعلق بطرف ملابسنا..
بعد شرب محتويات الكيس السحري،خلدت الى النوم، وعندما استيقظت شعرت بتحسن،وكأني كنت أكذب،تبا للاعشاب والخلطات ! ورحم الله مخترعي الاريوميسين ورومكس والمضادات الحيوية. .