بقلم: عادل الزعري الجابري بروكسيل/ 12 مارس 2020 (ومع) بفعل تعدد مراكز القرار في بلجيكا، حيث تتمتع السلطات الجهوية بصلاحيات واسعة، بما في ذلك في مجالي الأمن والصحة، أضحت البلاد تعيش مناخا من عدم اليقين وفقدان الشعور بالأمن لدى الساكنة، وذلك على إثر الانتشار المتواصل لفيروس كورونا المستجد. ويرى المواطنون والمتخصصون ووسائل الإعلام أن سلطات البلاد لا تأخذ التهديد الذي يمثله الفيروس على محمل الجد، ويخشون تكرار السيناريو الإيطالي. وتحذر إريس دي ريك، عالمة الأوبئة البلجيكية التي تعمل في إيطاليا، من أنه لا ينبغي الاستخفاف من وباء كوفيد- 19. وتقول الأخصائية في تصريح للصحيفة الفلامانية "هيت لاتست نيوس"، إنها تأمل في أن تكون السلطات البلجيكية قد تعلمت درس الوضعية المأساوية في إيطاليا. وكان الكثير من البلجيكيين قد عادوا من المناطق التي تفشى فيها المرض، لاسيما بشمال إيطاليا، بعد قضاء عطلة الكرنفال هناك. ثم ذهب هؤلاء الأشخاص إلى العمل أو الدراسة وكأن شيئا لم يحدث. هذا الاستهتار فاجأ الأخصائية. وقالت "سمعت عبر التلفاز أنه من المستحيل عزل جميع الذين عادوا من إيطاليا. الأمر صعب، نعم، لكنه ليس مستحيلا. لقد كان من شأن اتخاذ هذا القرار أن يجنبنا ما يحدث الآن على نحو جزئي". وكانت بلجيكا التي تسجل إلى حدود الساعة 399 حالة إصابة بكوفيد- 19، مع ثلاث حالات وفاة منذ بدء تفشي الوباء، قد أعلنت حظر التجمعات التي يزيد تعدادها عن 1000 شخص داخل الأماكن المغلقة. كما أن المساجد علقت صلاة الجمعة بينما ألغت الكنائس القداس حتى إشعار آخر. لكن الحياة تستمر بشكل عادي في الأماكن العمومية من دون تقييد أو احتياطات خاصة. وفي مواجهة هذا الوضع الذي يصفه البعض بغير المبالي، كل واحد يستعين بوصفته الخاصة. فبعض المحافظين الإقليميين يقررون إغلاق المدارس، في حين يقرر آخرون فرض "العزلة التامة"، مثل عمدة المدينة الساحلية "كنوك" الذي قرر إغلاق جميع الأماكن العامة حتى تاريخ 30 أبريل المقبل، بما في ذلك المقاهي، المطاعم، النوادي الرياضية، ودور السينما والمكتبات. وفي بروكسيل، خفضت المؤسسات الأوروبية ومقر منظمة حلف شمال الأطلسي من اجتماعاتها الداخلية، ومنعت دخول الأشخاص الأجانب، في الوقت الذي أغلقت فيه المدارس الأوروبية أبوابها. من جهة أخرى، أقرت جميع الجامعات التعليم عن بعد وألغت أنشطتها الشبه مدرسية. كما تم فرض إجراءات العزل في دور رعاية المسنين، في حين أوصت وزارة الصحة بتطبيق الحجر الصحي لمدة 7 أيام، كإجراء وقائي، على أي مريض يعاني من أعراض عدوى تنفسية حتى وإن كانت خفيفة (نزلات البرد، السعال، مع أو بدون حمى). ومع ذلك، فإن هذه التدابير لم تعمم بجميع أنحاء البلاد، كما تم اتخاذها على نحو غير منسق، لاسيما في غياب حكومة فيدرالية تتمتع بصلاحيات كاملة، مما دفع بعض المسؤولين إلى المطالبة بإطلاق خطة وطنية للكوارث. وطلب الوزير-الرئيس الفلاماني يان جامبون من رئيسة الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، صوفي ويليمس، إطلاق المرحلة الفيدرالية لتدبير الأزمة في مواجهة تفشي فيروس كورونا. وقال هذا الوزير السابق للداخلية إن هذا الإجراء سيمكن من تنفيذ قرارات موحدة ومنسقة على المستوى الفيدرالي. وكان رئيس الحزب الوطني الفلاماني وعمدة مدينة أنفيرس، بارت دي ويفر، قد دعا أمس الأربعاء، إلى تولي زمام المسؤولية على المستوى الفيدرالي لإدارة أزمة فيروس كورونا، مطالبا بتفعيل خطة الكوارث على المستوى الوطني. وإزاء هذا الأسلوب في تدبير الأمور، طالب عدد من النواب، اليوم الخميس، خلال جلسة خاصة لمجلس النواب، بوحدة القيادة في البلاد لمواجهة الوباء وتجنب تشتت التدابير المتخذة من بلدية، مقاطعة، أوجهة لأخرى. وفي هذا الصدد، قال باتريك بريفو عن مجموعة الحزب الاشتراكي "إننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى وحدة في القيادة، لربان طائرة". وقال جورج جيلكيني، عن المجموعة الإيكولوجية "إن الأمر يتطلب إدارة، أو بالأحرى قائدا"، بينما دعت النائبة كاثرين فونك إلى "قيادة متفردة"، قائلة أثناء مخاطبتها لرئيسة الوزراء في حكومة تصريف الأعمال "أنتي من يجب أن تتولى الأمر". وتشاطرت الأحزاب الناطقة بالهولندية نفس وجهة النظر. وهكذا، قال النائب عن الحزب الوطني الفلاماني، كوين ميتسو، "نحن بحاجة إلى تنسيق فيدرالي- وهذا يتناسب مع الرؤية الكونفدرالية - نحن بحاجة إلى وحدة في التواصل". وأضاف جان برييرز عن الحزب الديمقراطي المسيحي أنه "وإذا لزم الأمر، عليكم الانتقال إلى المرحلة الفيدرالية من خطة الكوارث". وردا على هذه المساءلات، أكدت السيدة ويلميس على ضرورة توحيد جهود الجميع قصد التصدي للوباء. وقالت "إذا كان هناك وقت نحتاج فيه لإظهار تناغمنا وتضامننا، فهذا هو الوقت المناسب". وقد أعلنت عن عقد اجتماع عصر اليوم لمجلس الأمن القومي، سيشمل الوزراء-رؤساء الجهات، والذي يرتقب أن يتمخض عنه الإعلان عن إجراءات جديدة على أساس توصيات علمية، قبل تفعيلها من طرف السلطات المختصة. وحسب السيدة ويليمس، يتعين أن تكون هذه القرارات "فعالة ومتناسبة"، مضيفة "على أية حال، يجب علينا جميعا أن نتأكد من أن التدابير المتخذة تطبق من قبل الجميع".