• نعمة الجوال تتعاظم منافعا ومحاسن وروائعا ، ويجعل الله فيها أسبابا للخير وقضاء الحوائج، وديمة التواصل .( وإن تعدوا نعمةَ الله لا تحصوها ) سورة النحل وإبراهيم . • ولكننا بالغنا في العناية بها والالتصاق إلى درجة أنها غطت على شؤوننا وعبادتنا وصلاتنا وقرآننا.. موطن السعادة ومنارة الحياة الطيبة..!
• فأحسسنا بالتقصير والضيقة وشيء من الإفلاس..! وأي إفلاس سيعيشه المرء وقد طال به العهد عن الكتَاب العزيز ووعظه ودرسه.
• لأننا صُنفنا في مستودع الهجر والهجران، وباتت الأيام تتوالى والقرآن عنا بعيد، والذكر في جفاء، والروحانيات محدودة...!( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) سورة الفرقان.
• فجُلّ سلوكنا ومسالكنا في غمرة الجوالات واكتشافاتها وإرهاصاتها .
• ونستطيع الخروج بالصرامة وتنظيم الوقت واستشعار حاجة القلب للقرآن كحاجة الزرع والسمك للماء...!
• تتجاوز روعة القرآن مجرد الثواب إلى مرافئ الحياة الطيبة ومنازل الحدائق المنيفة، والتي تنفي عن روادها مراتع الحزن والضيقة( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ). سورة الإسراء.
• وقال ابن مسعود : ( من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله) . قال بعض العارفين لمريد: ( أتحفظ القرآن ؟ قال : لا ، فقال : واغوثاه بالله ! مريدٌ لا يحفظ القرآن !! فبِم يتنعم ؟! فبم يترنم ؟! فبم يناجي ربه عز وجل ) " جامع العلوم والحكم " (364)
• سابقاً زُوحم القرآن بالطعام والنزهة، ثم التلفاز والمسلسل، فالعلاقة والصداقة، إلى أن بتنا في عالم الجوالات، فاختطفتنا اختطافا شديدا،، أنسانا دينَنا والتزامنا ،،،!
• وأصبح صديق الإنسان الجوال، يسامره ويناجيه، ويحادثه ويخاويه...!
• فوا خيبةَ من آثر جواله على قرآنه، ورجع لآلته، وترك كتابه، واهتم باتصاله، وأهمل أوراده..!
• وبات القرآن يتيماً في حياتنا وغريبا عن جدولنا اليومي،،،! وإذا قرأناه أحيانا ، لم نستطِب حلاوته، ولم نشعر ببيناته.،! لأن القلب في وادي الرسائل، ومنتزه الدردشة، وتعليقات الظرفاء والمفرفشين،،!
• قسَت القلوب وحصلت التوترات، واشتدت المحن والأزمات،،،! والقلب لا يصلحه إلا الذكر، ولا يلم شعثه إلا الإقبال على الله والمعرفة به..!
• وأعتقد أن هجران القرآن زاد مع عجلة الاتصالات وعالم الجوالات المتفننة والمشغلة..!
• وانسحب تقصيرنا تجاه القرآن على الكتب العلمية، فالمعرفة الجادة، فصيانة الأوقات من الضياع ( والعصر إن الإنسان لفي خسر..).سورة العصر.
• وباتت الأعين ملتصقة بالجوالات، منها ترد وتغرد وتدردش، وتحاور وتراسل وتعقد الصفقات، وصرنا أسرى لها نوما وطعاما ورفاهية وجدا...!
• وبرغم أن المصاحف ملونة وصوتية في الأجهزة الحديثة ولكن داء الغفلة سابغ، وأسبابها فاتكة والله المستعان ، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ( الغفلة نوم القلب ولذلك تجد كثيراً من اﻷيقاظ في الحس، نياما في الواقع، فتحسبهم أيقاظا وهم رقود). مدارج السالكين 3-284
ومن يكن نام بهذا الواقعِ//فقلبُه في غفلة المراتعِ
• تخيل لو أن هذا الالتزام وذاك اللصوق الجاثم على القرآن لكان ماذا،،،؟! القرآن سيُحفظ والعلم سيُفقه، والمعرفة ستُضبط، والاطلاع سيُستدام،،،!
• أما مطالعة الجوالات ورسائل الواتس فهو اطلاع بارد، وتعلم بلا نية وقصد، ومعرفة بلا استجماع، ودراية هوائية، واستبصار هش،،،! ويُنسي بعضه بعضا، والله المستعان .
• حينما صرنا أسرى لهذه الأجهزة ، تغيرت قلوبنا ونفوسنا وأخلاقنا، وعشنا ظاهرة التأزم الخلقي، والنائي عن القرآن ومواعظه ومعالمه ( وإنك لعلى خُلق عظيم ) سورة القلم. وفي الحديث ( كان خلقه القرآن ).
• ومن المؤسف أن بعضنا يتنازل عن قرآنه ويسوّف ولا يستطيع ترك الجوال في مكان وهو في آخر، ولو نسيه لعاد إليه،،، وهذا شيء عجيب...!
• أثمر الجوال لنا غفلة شديدة، وقسوة مريرة، وانشغالا عجيبا، وشرودا ذهنيا، ومعلومات هشة، وسوء تركيز، وتباعدا عن معالي الأمور، ومن أشنعها هجر القرآن والتباعد عنه( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) سورة محمد .
• قال ابن قدامة رحمه الله : ( يكره أن يؤخر ختمة القرآن أكثر من أربعين يوما...وقال أحمد : أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين . ولأن تأخيره أكثر من ذلك يفضي إلى نسيان القرآن والتهاون به ، فكان ما ذكرنا أولى ، وهذا إذا لم يكن له عذر ، فأما مع العذر فواسع له ). " المغني " (1/459).
• ووقوع الهجر الطويل هذه الأيام مرده لغفلة اعترتنا من أسبابها الجوالات وجاذبيتها وتأثيرها على النفوس ..!
• ويضاعف آلامنا أن هذه الآلة صارت مقدمات لذنوب وغفلات، صدّتنا عن الذكر الحكيم، ولا تعالى مأساتها في الحوادث عن مأساة الهجر والانقطاع، فتلك اغتيال حسي، وهذه اغتيال معنوي،،،، والله المستعان .
• اللهم أصلح قلوبنا، واحفظ علينا أوقاتنا، وجنبنا الغفلة وأسبابها.....والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.