بداية، من خلال تجربتي المتواضعة التي عشتها لمدة 37 سنة من حياتي في قبل مغادرتي لتراب الوطن الأم، المغرب، ومن خلال القصص التي بقية عالقة ومحفوة في ذاكرتي عن بعض القضاة الفاسدين والمرتشين عديمي الضمير، ومن خلال الأحكام التي عاينتها في عدة محاكمات لمعتقلين سياسيين، ورأي عام ومناضلين، وطلبة، ومدنيين مظلومين، ومحاكامات كانت في حقي لصالحي وأخرى ضدي، قررت أن أقضي بهذا الرقم القياسي والذي هو من تقديري وحسب تجربتي وما ذكرت. و في الأخير يبقى هذا الرقم التقديري 10 من 90 لا يعني جهة خاصة أو عامة أو مؤسسة رسمية...
وأكرر هذا تقديري الشخصي وحسب تجربتي المتواضعة.
قبل الدخول في الأحكام القضائية التي تنطق بإسم الملك، أو يتاجر فيها قضاة فاسدين بإسم الملك لصالح مواطن (غني) ضد أخر، أو شخص ذو نفوذ مالي وسياسي ضد مواطن لا حيلة ولا قوة له، مع العلم أن جميع المواطنين مرقمين بأرقام "بيومترية" واحدة حسب البطاقة الوطنية، والملك في جميع خطاباته، طبعا السامية والمناسباتية، يصرح بعبارة أن المواطنين سواسية أمام سمو القانون، وهذا أمر جيد، ويثلج الصدور .
حتى نوضح أكثر، قبل الغوص في المفيد وأحشاء الموضوع، بما أن الأحكام القضائية تنطق بإسم الملك، والقضاة يمثلون الملك، سواء منهم الصالح والطالح، وبهده المناسبة نشكر القاضي(ة) الصالح(ة) على أدائه المهام الموكلة إليه من طرف القاضي الأعلى جل جلاله في السموات العلا على أداءه الواجب بمهنية وضمير حي.
لكن ماذا عن القضاة الفاسدين، الذين حولوا المحاكم المغربية إلى سوق بورصا تباع فيها القيم والأخلاق وتكسر فيها خواطر الفقراء والمظلومين، كما تصفى فيها حسابات أشخاص ضد أخرين، وتسلب فيها أراضي الفقراء لصالح الإغنياء ومن لهم نفوذ مادي وسياسي...، وفي النهاية تنطق الأحكام القضائية بإسم الملك، لأنهم يمثلون الملك.
الخطير في الأمر، أنه بعد تبوث جنحة وتهمة الرشوة والفساد وظهورها كشمس في يوم ربيعي مشرق وجميل، يأتي بلاغ من تنظيم قضائي أو من النيابة العامة نفسها بعبارات قوية تزمجر ضد الفعل المرتكب وما هذا إلا سعي لتهدأة روع وغضب الشارع ، وليغطي الشمس بالغربال (البلاغ)، لكن أشعة الحقيقة تخرج من عيون الغربال وتبقى عالقة في دهن كل مواطن غير راضي عن الوضع الكارثي والفساد الذي نخر جسم القضاء .
والغريب وليس بالغريب في بلاد كالمغرب، فإن القاضي الفاسد في مثل هذه النوازل لا ينال جزاءه، و الملك بصفته أعلى سلطة في البلاد طبعا هو المسؤول..، بما أن القاضي الفاسد يتاجر ويحكم ظلما وبهاتانا وزورا وجورا بإسم الملك، فإنه يمثل الملك ، ولا يقبل كل مغربي حر أن تسيء الأحكام القضائية الظالمة للمواطنين بإسم الملك.
هنا، وجب وبإلحاح شديد إلغاء الحصانة القضائية، أو إلغاء الإمتيازات عن جميع رجالات الدولة بصفة عامة ذون إستثناء كما في الدول الغربية الدمقراطية، وأن يعامل القاضي وغيره، مجرد موظف يؤدي مهمة يتقاضى عليها مقابل، وكفى .المؤمنين شر القتال .
وفي مثل هذه النوازل يكون الملك قد أصبح أمام خيارين إثنين لا ثالث لهما، إما أن يتنحى عن رأس سلطة القضاء وتنطق الأحكام بإسم قاضي قضاة الكون الله تعالى و الشعب المغربي ويتحمل القضاة الفاسدين مسؤولياتهم الجسام أمام الله والشعب، (ويحاسبوا) إن تبث في حقهم الإخلال بالواجب المهني.
أو يتم تأسيس مجلس قضائي جديد تحت إشراف الملك، وما المانع، إختصاصاته أن يراجع الأحكام القضائية الغير عادلة أو المشكوك فيها، ويحاسب فيها القضاة والهيئات المقررة لتلك الأحكام بكل تجرد وشفافية، ويطبق عليهم العقاب الذي يطبق على فقراء الشعب المغربي المقهور ، حتى نستطيع أن نجسد مقولة المغاربة سواسية أمام سمو جلالة القانون، قولا وفعلا.
فواقعة سمسار قضاة محكمة الدارالبيضاء التي طفت على السطح مؤخرا بعد إنتشار الشريط في مواقع التواصل الإجتماعي "فايسبوك" وباقي التطبيقات كالنار في الهشيم، ما هي إلا قطرة ماء في بحر، وضحتْ بالملموس كيف يتعامل القضاة مع المواطنين وذلك من خلال السلطة التقديرية التي تعطيهم صلاحيات واسعة يقطعون ويفصلون ويخيطون من خلالها الأحكام القضائية على المقاسات التي تتلائم مع المبالغ المالية التي يتقاضونها رشوة بطبيعة الحال.
والخطير في الأمر أن سمسار القاضي الفاسد قد ظهر وهو يتحدث بكل ثقة وأريحية وصوت القاضي مسموع وهو يجيب على مكالمة السمسار حسب ما هو مسموع في الشريط المسجل المنشور بمواقع التواصل الإجتماعي بالصوت والصورة.
و يبقى السؤال المطروح والذي يطرح نفسه بقوة .
هل ستكون محاكمة عادلة ترضي طموحات الشعب الذي يحلم بقضاء شفاف ونزيه ؟؟ .
أم ستبدأ مسرحية البلاغات من الجهات المختصة وتلتف على الموضوع إلى أن يتم ركوض الحراك "الفايسبوك"، وتمر القضية مرور الكرام ويمسح كل شيء في ظهر السمسار كونه الحائط القصير في هذه القضية التي أصبحت قضية رأي عام تناولتها منابر إعلامية وطنية ودولية .
الكثيرون يعرفون قصة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "ونستون تشرشل" أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما أمرت محكمة بريطانية بنقل مطار حربي بعيداً عن منطقة سكنية، لأنه يزعج الأهالي ويعرض حياتهم للخطر، وأعطت المحكمة مهلة سبعة أيام لتنفيذ الحكم، وكان حينها "تشرشل" مشغولاً في إدارة المعارك الحربية الضارية ضد "هتلر" وجيوشه، وعندما وصله خبر حكم المحكمة، سأل عما تبقى من زمن لتنفيذ الحكم، فأخبروه 48 ساعة فقط، فأمر بنقل المطار على الفور قبل انتهاء المدة، وقال قولته الشهيرة "أهون أن نخسر الحرب من أن يخسر القضاء البريطاني هيبته" .
ومن بين القصص التي بقيت عالقة في ذهني قبل مغادرة أرض الوطن بحثا عن لقمة العيش في بلاد المهجر، حكى لي صديق أن شخصا يعمل سمسار بمحاكم مدينة الرباط، تسلم من راشي مبلغ خمسة ملايين سنتيم وذهب بها إلى قاضي مرتشي في "فيلته" ليحكم للراشي في قضية ما، وصل وطرق الباب ودخل "الفيلا" فوجد القاضي في حديقة البيت واضعا قنينة خمر ومشروبات كحولية ومشوات عليها لحم ، فسلم على القاضي واعطاه المبلغ المالي الذي نقص منه 3000 ثلاثة ألاف درهم في الطريق، حيث ضن أن القاضي سيتسلم المال ولن يعده، فما كان من القاضي إلا بدأ يعد الأوراق النقدية الواحدة تلوة الأخرى، فقال القاضي للسمسار ينقص المبلغ المتفق عليه 3000 درهم .
السمسار: نعم أستاذ "راك عارف العواشر والدخول المدرسي وقلت ماشي مشكل لا خديتها نعاون بيها الوقت نعام أسيدي" .
القاضي: شوف داك اللحم فوق الشواية مزيان .
السمسار: نعام سيدي شفتو .
القاضي: أنا راه غدا يوم القيامة غنتحرق ونتشوى كيف هوكاك غتحط الفلوس كاملة ولا غادي نغبر بوك الكلب.
فما كان من السمسار إلا أن أخرج مبلغ 3000 درهم من جيبه وهو يرتعد وأرجعها للقاضي، وبعدها أعطى القاضي للسمسار مبلغ 1000 درهم كنصيب له في تلك العملية.
وهذا لا يعني أن جميع القضاة فاسدين، لا ، ولا ننكر أن هناك قضاة وقاضيات نزهاء يؤدون الأمانة بمهنية وخوف شديد من الله ويعلمون علم اليقين قيمة وثقل الأمانة التي يتقلدونها، ونرفع الشارة لهؤلاء القضاة والقاضيات ونحييهم بحرارة .
إن القضاء عضو مهم في جسم الدولة المغربية بصفة خاصة، وفي جسم كل دول العالم بصفة عامة، ويعتبر بمثابة العمود الفقري، فإذا صلح القضاء أصلحت أحوال جميع المؤسسات العامة والخاصة وعم الخير على الجميع وتزداد الثقة بين المواطن والمؤسسة، وإذا فسد القضاء، فسدت جميع أحوال البلاد والعباد والمؤسسات وإتسعت هوة الثقة بين المواطن والمؤسسات، بل ويتقطع حبل الود والثقة .
فواقعة سمسار محاكم مدينة الدارالبيضاء، ما هي إلا النقطة التي أفاضت الكأس، حتى نصحوا من غفوتنا جميعا، ونضع أيدينا على الجرح ونعالجه، جميعنا نتحمل مسؤلياتنا التاريخية كل من موقعه، ولو بصمتنا وخنوعنا ورضوخنا للظلم وقبوله، مع العلم أن الخالق يقول جل جلاله: حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.
أن الأوان ووجب على أعلى سلطة في البلاد، ألا وهو الملك أن يصغي ويتفاعل مع مطالب الشعب ونبض الشارع بقوة ووتيرة أكثر، وأن لا تكون رأفت ولا شفقة بمثل هؤلاء القضاة الفاسدين الذين يشوهو سمعة البلاد في الداخل والخارج، وينطقون بأحكام جائرة بمقابل مادي بإسم الملك .