يجزم كثير من الملاحظين أن الوضع سينفجر في المغرب العربي إذا انتصر القذافي على الثوار ... فلا شك أن ما يحدث في ليبيا قد أعاد العلاقة بين البوليساريو وليبيا إلى سالف مجدها وقوتها ، و لا شك أن حكام الجزائر قد استغلوا الفرصة بدعمهم للقذافي كي تعود ليبيا إلى صف البوليساريو بقوة كما كانت قبل أن يعمل المرحوم الحسن الثاني على محاولة تحييد ليبيا ولو نسبيا لتبقى الجزائر وحدها في الصورة في مواجهة المغرب . إن معارضة الجزائر لقرار جامعة الدول العربية بفرض حظر جوي على ليبيا تعتبر رسالة من حكام الجزائر موجهة للقذافي ليعود إلى صف أعداء المملكة المغربية بقوة ويخرج من الضبابية في موقفه من قضية الصحراء المغربية التي كان موقفه منها متذبذبا بين نقيضين : تفتيت الدول العربية بمناصرة تقرير مصائر الشعوب والدعوة للوحدة العربية... من الآن فصاعدا سيكفر القذافي بالقومية والوحدة العربية بعد موقف الجامعة العربية منه ومن نظامه . سيعود البوليساريو إلى حضن القذافي ليرعاه سياسيا وماليا ، خاصة وأن القذافي هو صانع البوليساريو ، و لن ينسى القذافي وقفة هذا الأخير معه في محنته مع الثوار وسيجد حكام الجزائر مناصرا قويا آخر ينضاف لجنوب إفريقيا وفينزويلا وكوبا من الدول المعادية للملكة المغربية في قضية الصحراء ، ومن الآن فصاعدا سيعتبر القذافي محنته مع الثوار الليبيين علامة فارقة بين عهدين : عهد الدبلوماسية السياسية الغامضة التي تراعي المصالح الاقتصادية ، وعهد العلاقة الوطيدة بنظامه الحاكم ونصرته ظالما أو مظلوما ، وقد هب حكام الجزائر لنصرة القذافي ومساعدته على قصف الشعب الليبي الثائر بالطائرات التي يشاع أن طيارين جزائريين قد شاركوا في عمليات القصف هذه ، أما مساعدة مرتزقة البوليساريو للقذافي فقد انتشر خبرها بسرعة البرق لدرجة أن بعض الملاحظين أكد أن قواعد لتدريب جيش البوليساريو كانت دائمة الوجود في صحاري ليبيا ، بالإضافة لعدد كبير من العمال والطلبة الصحراويين المقيمين في ليبيا ، وأن إنكار الجزائر إرسال هؤلاء المرتزقة كان صحيحا لأن البوليساريو لم يكن في حاجة للانتقال من الجزائر إلى ليبيا لأنه كان موجودا على الأرض الليبية فعلا . لقد فضح القذافي نفسه حينما كشف سر العلاقة بين نظامه الفاشيستي ونظام زين العابدين بن علي البوليسي في دفاعه المتسرع عن الرئيس التونسي المخلوع ، وهو في الحقيقة كان يدافع عن الحلف الثلاثي للأنظمة الديكتاتورية الثلاثة : الجزائريوالتونسي والليبي الذي كشفت عنه الأحداث الليبية الأخيرة ... لقد هب عسكر الجزائر لنجدة حليفهم القذافي في حركة استباقية لتفادي تكرار السيناريو التونسي في ليبيا وخوفا من انهيار النظام العسكري الحاكم في الجزائر إذا انهار نظام القذافي ... لقد كانت تهديدات سيف الإسلام القذافي للشعب الليبي موجهة أيضا لكل من سولت له نفسه التمرد على الحلف الفاشيستي الثنائي بعد انهيار نظام بن علي ، فكأن كلامه كان موجها للجارة الجزائر في حالة تنكرها للمعاهدة الاستراتيجية بين الديكتاتوريتين الباقيتين في المغرب العربي الجزائرية والليبية . السؤال هو : ألا تزال الظروف الجيوسياسية كما كانت عليه منذ 35 سنة أي منذ بداية صراع الصحراء المغربية ؟ إن ثورة الياسمين في تونس تعيش اليوم أزمة المصداقية الديموقراطية ، فإن كانت ثورة الياسمين من أجل الانعتاق من النظام البوليسي الفاشيستي الذي كان حليفا لديكتاتورية القذافي ، فهل يعقل أن تضحي هذه الثورة بمصداقيتها وتناصر القذافي الديكتاتوري ؟ إن منطق التطور يستلزم استمرار التونسيين في ثورتهم من أجل تحرير العقول المغاربية من الديماغوجيات العتيقة التي هيمنت على الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة وإن اختلفت أشكالها ، فمن كان يعتقد أن تحالفا كان قائما بين بن علي والقذافي حتى فضح نفسه ؟ أو أن تحالفا لا يزال قائما بين الديكتاتوريتين الحاكمتين في الجزائر وليبيا حتى جاءت الأحداث التي فضحته ؟ لا يمكن أن ننسى الوضع في موريتانيا الذي أخذ في الاستقرار والوضوح ، فالشعب الموريتاني أدرك أنه كان لعبة بين يدي النظامين الجزائري والليبي يُسَخّرانه في معضلة الصحراء كيفما أرادا ، كما أن البوليساريو أدرك أن اعتراف الدولة الموريتانية بجمهوريته الوهمية لم يكن سوى درع واق لها من استفزازات البوليساريو العسكرية أيام كان الجيش الموريتاني هو الحلقة الأضعف في المنطقة ، أما اليوم فقد أصبح الجيش الموريتاني على استعداد لمواجهة عسكر البوليساريو ، لكن إذا كان الموريتانيون قد حسموا أمر نظام الحكم لديهم بأن وضع الشعب يده في يد الجيش لمواجهة تحديات التنمية والإرهاب فهل سيعود الموريتانيون للعبة الأقطاب إذا تقوت شوكة النظام الجزائري الفاشيستي بنطام القذافي وعاد البوليساريو أقوى مما كان عسكريا ومعنويا ؟ وهل سيضحي الموريتانيون بمخططاتهم التنموية بعد أن تبين لهم أن تخلفهم الاقتصادي والاجتماعي كان بسبب دخولهم لعبة الأقطاب بين الجزائر والمغرب ؟ لا شك أن المنطقة المغاربية تعيش اليوم مخاضا خطيرا جدا لأن النظام الليبي عاش ويعيش أزمة سيتغير الوضع في المغرب العربي بعدها إذا خرج القذافي منتصرا على الثوار ، لأن القذافي سَيَرُدُّ على وفاء الجيش الجزائري له بتحية أحسن منها لن تكون أقل من مناصرته للنظام الجزائري بقوة في فصل الصحراء عن المملكة المغربية ولو عسكريا . فلم يعد للقذافي ما يخسره فالأزمة التي يمر بها ستجعله يراجع حساباته في علاقاته بدول المنطقة على ضوء من كان يناصره ظالما أو مظلوما ومن كان يناصر الشعب الليبي المغبون في حقه من طرف النظام الجزائري الجار . إن شعوب المغرب العربي ستعيش القهر النفسي مثلها مثل الشعب الليبي إذا عاد القذافي وأبناؤه لحكم ليبيا ... سينتقم القذافي وأبناؤه من الشعب الليبي الثائر شر انتقام كما أنه سيقلب أوضاع المنطقة المغاربية رأسا على عقب بإعادة قضية الصحراء المغربية إلى حدتها كما كانت عليها منذ أكثر من 35 سنة ... لكن كيف سيكون رد المملكة المغربية على هذه المتغيرات ؟ إن عودة القذافي ستضع منطقة المغرب العربي على فوهة بركان ...أما رد القذافي على العرب وأمريكا والغرب عامة فتلك قصة أخرى ....