أنصف التاريخ المغرب في ورطة الجزائر مع ثوار ليبيا، فقد اختارت الرباط منذ البداية، ان تكون الى جانب الشعب الليبي. بالمقابل وقفت الجزائر الى جانب نظام كان متوجها بداية الثورة الى دك شعبه في بنغازي لولا تدخل قوات الناتو، دعمت القذافي ومدته بالمرتزقة وفتحت حدودها الجنوبية الشاسعة أمام فلول النظام للفرار من قبضة الثوار، والدواعي إنسانية هذه المرة. لقد كشف التاريخ حقيقة النظام الجزائري، فهو الذي قاتل المغرب ومد البوليساريو بالسلاح من اجل "تقرير المصير"، وفعل كل ما في وسعه من اجل إفشال الثورة الليبية لشعب يريد، هو أيضا، ان يقرر مصيره ويجعله بيده. وبذلك كانت للثورة الليبية حسنات كثيرة على المغرب، سياسيا وجيواستراتيجيا، فهي فضحت زيف ادعاء النظام الجزائري دعمه لتقرير المصير، وهو الذي سلم عسكريين ليبيين رفضوا قتال شعبهم وفروا الى الجزائر، حتى يعدمهم العقيد ويمثل بجثتهم ليكونوا عبرة لآخرين، كما فضحت الثورة الليبية حقيقة النظام الجزائري، الذي يبقي حدوده مفتوحة لتسلل المقاتلين والسلاح لدعم القذافي، ما دامت مساحات واسعة من الحدود الجنوبية بين الجزائر وليبيا هي في الأصل أراض ليبية، ضمتها فرنسا الى الجزائر في فترة حكم الملك احمد السنوسي، وتلك قصة أخرى يخيم شبحها على النظام الجزائري منذ اندلاع ثورة 17 فبراير. بالمقابل، كان الموقف المغربي شجاعا في تعامله مع الحراك الجاري في المنطقة المغاربية، وانخرط منذ البداية، ضمن المدافعين عن قيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وتقرير المصير، وسيكون اكثر شجاعة اذا ما انتقلت الثورة المباركة الى الجارة الجزائر، حتى يسترد الشعب أمواله التي تذهب سدى في دعم ميليشيات البوليساريو، وتهرب الى الخارج في حسابات كبار الجنرالات، وتصرف عائدات الغاز في صفقات تسليح الجبهة وتشجيع السباق نحو التسلح بالمنطقة المغاربية، وحين يكون للشعب الجزائري ان يقرر مصيره وفي سياسات الجوار التي فرضت عليه وباسمه، كما يفعل الليبيون اليوم. ان التاريخ تبنيه الشعوب، وطي الخلافات يكون بيد الشعوب أيضا، لأنها لا تخضع لحسابات سياسية ولا لشروط ابتزاز مسبق، فهي تتعايش في ما بينها حتى قبل ان تقوم الأنظمة السياسية، ولا تعرف للمكيدة طريقا وللتآمر سبيلا، لان الشعب يريد أشياء أخرى.