الموت نقيض الحياة ضمن سلسلة المتناقضات التي خلقت مع الانسان مثل: الحب والكراهية، الكرم والبخل، الشجاعة والجبن، السعادة والتعاسة، السكينة والفوضى، الأمن والفتنة، الصدق والكذب، الغنى والفقر، الجمال والقبح، البناء والهدم، الصفاء والدرن... وهكذا. عندما ينشغل الإنسان أكثر من اللازم بالموت والموتى أكثر من انشغاله بالحياة وإعمارها ويبذل الكثير من المال والجهد والوقت في التفنن في ربط العالم الغيبي بالعالم الذي يعيشه يصبح فاقدا للدور الذي أوجده الله لأجله وهو الاستخلاف. الاستخلاف مهمة نبيلة لم تمنح لا للحيوانات ولا للنباتات ولا للجماد، بل كُلِّف بها الانسان العاقل الواعي إرادةً من الله الخالق، وما الموت إلا إعلان عن نهاية مهمة الاستخلاف، وأما طقوس الدفن ما هي إلا تكريم للجسد الترابي الذي أبدعه خالقه والذي ستتلفه الديدان، الديدان بدورها ستموت وتتلفها البكتيريا، والبكتيريا كذلك تفنى وتصبح موادا عضوية متحللة في التربة تعيش عليها كائنات نباتية. الانسان حسب اعتقادنا لا يفنى في روحه ووعيه، وبهما ينتقل ليحيا الحياة الأخرى. هؤلاء الذين يكثرون من تبجيل الموتى على حساب الأحياء ويكثرون من الإخبار عن القبر وأهواله، تجد البعض منهم يتهرب من دفع الضرائب والصدقات، لكنه لا يجد حرجا في أن يكون سخيا معطاء مع ضريح ولي صالح لا يجد لنفسه نفعا ولا ضرا.
لقد انهزمت الحضارة الفرعونية وانتهت نهائيا على يد الحضارات الجديدة عندما صار الشغل الشاغل للمصريين بفقرائهم وملوكهم وأغنيائهم، هو التحنيط وحفظ الموتى ودفن الثروة بجانبهم عوض تركها للأحياء كي يعيشوا منها ويطوروها. لقد كان الاهتمام المبالغ فيه بالموت موت لهم في حد ذاته. والمسلمون يكررون نفس المشهد من كثرة مؤلفاتهم وحديثهم عن الموت وحياة ما بعده، وما كثرة حبهم وسعيهم للاستشهاد، ولو تفجيرا للذات في مواجهة عبثية مع أعداء يحرصون على الحياة وأعدوا وطوروا أدوات الدفاع عن أنفسهم، إلا اندفاع نحو ثقافة الموت. في المقابل نسي المسلمون مهمة البناء والإبداع والإنتاج في حياتهم الدنيا ونشر السعادة والفضل معهم حيثما مكثوا، وهذا هو عين الانتكاسة.