دافع "محمد مبديع" رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب يوم أمس الإثنين 22 يوليوز الجاري، عن القانون الإطار 51.17 المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين بالمغرب. من جهته، تطرق "شقران أمام" رئيس الفريق الإشتراكي بمجلس النواب، إلى إيجابيات القانون المذكور رافضا أن يتم ربطه بضرب مجانية التعليم. وهذه كلمة "شقران" و"مبديع": بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الله وعلى آله وصحبه أجمعين السيد الرئيس المحترم السيدات والسادة الوزراء المحترمون السيدات والسادة النواب الأفاضل إننا ندشن اليوم، بهذا المشروع الإصلاحي الكبير، للحظة تاريخية ومفصلية بامتياز. لحظة تؤشر لتحول غير مسبوق، سيمكن بلادنا من التوفر على منظومة هيئت وفق مقاربة ترتكز على إطار تعاقدي ملزم، لتضع بذلك حدا فاصلا بين مرحلة سادتها مخططات واستراتيجيات غير ثابتة، ولا يربط بينها أي خط ناظم، ومرحلة يسودها إطار قار يتسم بالديمومة والاستمرارية والالزام، ويرتكز على مبادئ معيارية قوامها الانصاف وتكافؤ الفرص بين كافة الشعب المغربي، بين الميسورين والمعوزين، (اللي فحالو واللي ما فحالوش) هدفها صناعة أجيال، تتمتع بقدر كبير من التعليم التنافسي النافع، المتفاعل باستمرار مع محيطه، والمفضي الى التنمية وخلق فرص الشغل وولوج بوابة العولمة من بابها الواسع. السيد الرئيس إننا في الفريق الحركي، نثمن المقاربة التشاركية التي أطرت صياغة هذا المشروع، الذي يتضمن مبادئ جامعة حسمها دستور المملكة، ولاسيما في الفصل الخامس منه، وزكاها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وكذلك مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، اللذين وافق عليهما مجلسنا الموقر. فالنقاش الذي نخوض فيه اليوم هو استمرار لنقاش لا يتجزأ، لا سيما حينما يتعلق الأمر بالهوية، نقاش تجاوزنا فيه الذاتية واستحضرنا الوطن والإنتماء، بعيدا عن أي تعصب أو نزوع إيديولوجي، معتبرين بأن المغاربة كل المغاربة سواسية في وطنيتهم وهويتهم ولغاتهم. هذا أمر محسوم ومجمع عليه ولا ينازع فيه أي مغربي أو مغربية. ومن هذا المنطلق،السيد الرئيس، تبلورت قناعتنا التي تأسست منذ عقود من الزمن، وكانت تشكل حجر الزاوية في ثوابتنا ومرجعياتنا المذهبية منذ تأسيس حزب الحركة الشعبية في فجر الاستقلال. ولم تتحكم في هذه القناعة أية نظرة ايديولوجية ضيقة أو رغبة تتوخى تسويق موقف شوفيني، بغرض المزايدة السياسية أو الاستهلاك الاعلامي أو العائد الانتخابوي العابر، بل كانت قناعة مبدئية تتماثل في عمقها وبعدها مع المصلحة العليا للبلاد، مصلحة الأجيال القادمة، مصلحة تنمية الوطن، مصلحة كرامة المواطن المغربي في البدء والمنتهى. ورفعا لكل لبس، حضرات السيدات والسادة، فنحن مع اللغة العربية إسوة بالأمازيغية، باعتبارهما لغتين رسميتين للدولة، نؤكد على حمايتهما وتطويرهما، وتنمية استعمالهما، باعتبارهما رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. ولا نحتاج الى التدليل والبرهنة بأن مرافعاتنا وأدبياتنا كانت تسير دائما في هذا الاتجاه، سيما والحركة الشعبية كانت من الأحزاب القليلة الممثلة في البرلمان التي كانت لها جرأة المطالبة بإدراج اللغة الامازيغية في الدستور كلغة رسمية، بينما كان سقف باقي التيارات الحزبية هو مطلب الاعتراف بها كلغة وطنية وهي في وطنها. السيد الرئيس لا نعتقد بأن هذا المشروع يتضمن إقصاء أو تبخيسا للغتين الرسميتين الدستوريتين، طالما انه يؤكد صراحة على اعتماد اللغة العربية لغة أساسية للتدريس، وتطوير وضع اللغة الامازيغية في المدرسة ضمن إطار عمل واضح، انسجاما مع الدستور، الذي أكد فضلا عن ذلك على ضرورة تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات وعلى حضارة العصر. (بالدارجة:هاذ المشروع كيأكد على العربية كلغة للتدريس وعلى الأمازيغية بالإضافة للغات الأجنبية. وما كيحددش لغة أجنبية بعينها. وهادشي لي جا فالدستور. ما خصناش نخلطو الأوراق ونعطيو صورة للناس ما عندها علاقة بهذا القانون. وهادشي كامل فمصلحة ولاد المغاربة اللي فالمدينة واللي فالبادية والجبل والدوار والمدشر. حنا بغينا مغرب واحد فيه نفس الفرص ونفس الحظوظ للمغاربة كلهم. حيت كانهضرو على جيل الغذ: أولادنا كاملين). السيد الرئيس المحترم إن ما صاحب هذا المشروع من عراك ايديولوجي حول تدريس اللغات، ولغات التدريس دفعنا إلى التأكيد مرة أخرى في الفريق الحركي على مطالبة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بموافاة مجلس النواب برأي استشاري حول تقييم مدى نجاح تجربة التعريب لمدة 30 سنة، قصد الوقوف على مدى نجاعة الاختيارات السياسية السابقة لتفادي إدخال بلادنا في منزلق وفتنة حسمها دستور2011 الذي أقر ترسيم اللغتين الامازيغية والعربية والانفتاح على اللغات الأجنبية. والسؤال المطروح:هل نحن مقتنعون بالفعل بهذه التجربة التي كانت من العوامل الأساسية جعلت تعليمنا في مراتب متأخرة بالمقارنة مع دول أخرى مماثلة؟ أليس من التجني والظلم على أبناء المغاربة أن يدرسوا العلوم بالعربية ما قبل الجامعة، ويدرسونها بلغة أجنبية في المرحلة الجامعية؟ وإلا ما الدافع إلى الدعوات المتواترة للإصلاح خلال العقدين الأخيرين على وجه الخصوص، من خلال مخططات ورؤى واستراتيجيات أثبتت فشلها؟ وهل من المقبول والمستساغ التطبيع مع الإحصائيات الصادمة التالية: (بالدارجة)30% من الحاصلين على الباكالوريا العلمية يلجون تخصصات لا تتوافق مع تخصصهم الأصلي من قبيل مسالك القانون والعلوم الإنسانية؛ 12% فقط من مجموع الطلبة الجامعيين هم مسجلون بشعب علمية، في الوقت الذي تشكل نسبة الناجحين في الباكالوريا العلمية والتقنية 64% من مجموع الناجحين؛ 22% من الطلبة يغادرون الجامعة في سنتهم الأولى دون اجتياز امتحان نهاية السنة؛ 43% من الطلبة يغادرون الجامعة دون الحصول على شهادة الإجازة؛ ومرد هذه الوضعية، مما لا شك فيه، إلىى لغة التدريس المعتمدة التي تشكل سببا رئيسيا من بين أسباب الهدر الجامعي الذي يثقل بلادنا، كما تعلمون، بكلفة باهظة. وبناء عليه، السيد الرئيس، فقناعتنا في الفريق الحركي بهذا القانون راسخة، لأنه يحمل بين طياته مشروعا إصلاحيا مجتمعيا بامتياز. مشروع يهم جميع المغاربة قبل أن يكون مشروعا حكوميا أو قطاعيا أو حزبيا، لارتباطه الوثيق بورش مهيكل ومستقبلي، يروم إصلاح وتجديد المدرسة المغربية، التي تعتبر الركيزة الأساسية لتنمية الرأسمال البشري كمدخل لتحقيق التنمية بجميع أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، وحقولها المجالية لإرساء أسس واعدة لنموذج تنموي جديد وفق ما يصبو إليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ومن ورائه كل مكونات المجتمع المغربي. إننا اليوم، حضرات السيدات والسادة، أمام قضية وطنية كبرى، ترتبط بسؤال جوهري حول أي أفق نريد؟ وأي رأسمال بشري نريد؟ وأي مغرب نريد؟لا سيما أن أغلب الدراسات والبحوث والتقارير، تؤكد بأن الدول التي تمارس نفوذا اقتصاديا وسياسيا وعلميا وثقافيا، تأتى لها ذلك بفضل تطور منظومة التربية والتكوين وجودة التعليم. فهل نستمر في اجترار نفس الإشكالات ونفس الاختلالات التي طبعت هذه المنظومة ببلادنا، رغم المجهودات، ورغم حجم الإنفاق المتزايد على التعليم بالمقارنة مع الدول ذات الدخل المشابه. السيد الرئيس قد نتفق أو نختلف على أسباب وعوامل التدني الذي تعاني منه منظومتنا التعليمية، ولكن لا يمكننا أن نختلف على علل وأعطاب هذه المنظومة التي أجمعت عليها دراسات تقويمية وطنية ودولية لعل أبرزها: غياب سياسة لغوية واضحة ومنسجمة للمنظومة؛ ضعف مكتسبات التحصيل الدراسي في اللغة العربية، ناهيك عن اللغات الأجنبية (ولادنا تلفو...) وجود شرخ لغوي عميق بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي (اصطدام وتيه على مستوى التعليم العالي). إن الفشل اللغوي له انعكاسات أكيدة ومباشرة على تحقيق مجموعة من أهداف المنظومة، والمتعلقة على وجه الخصوص بتملك المعرفة، وتنمية الثقافة الوطنية والانفتاح على الثقافات الأخرى، وتحقيق الاندماج في الحياة العملية. وأحيلكم في هذا الصدد على إحدى خلاصات نتائج الاختبارات الدولية، وضمنها اختبار الاتجاهات في الدراسة الدولية للرياضيات والعلوم، المعروف اختصارا باسم «TIMSS»، حيث خلصت إلى أن أداء التلاميذ المغاربة ضعيف وغير كاف. السيد الرئيس المحترم إن التحكم في اللغات وخاصة الأجنبية منها وبلورة ديمقراطية لغوية يعتبر تحديا مركزيا للسياسة اللغوية، وهنا أؤكد للمرة الثانية أن أبناء المغاربة سواسية، ولابد أن يحظوا بفرص متكافئة في اكتساب اللغات وفي ولوج فرص الشغل وفي الارتقاء الاجتماعي، لا أن يقتصر الأمر على ذوي الإمكانات المالية الذين يدرسون أبناءهم في التعليم الخاص. أو في المعاهد المتخصصة في اللغات، بل لا بد أن يحظى أبناء البادية وأبناء الجبل والفقراء، وأبناء مغاربة العالم بنفس الحظ في التعليم (أقول أبناء جاليتنا بالخارج)، فلا يمكن للمغرب أن يستمر في السير بإيقاعين متباينين، تتجلى فيه الفوارق في كل شيء، بما فيها التعليم، الذي يتعين أن يسمو فوق الفوارق والاختلافات. السيد الرئيس إن هذا المشروع الذي واكبه نقاش مجتمعي واسع، يجسد حيوية المجتمع إزاء القضايا المصيرية للبلاد، وبالتالي، فإنه يشكل بحق وثيقة مرجعية للتعليم، ويجيب على العديد من الانتظارات والتحديات، فهو يعتبر بمثابة خارطة طريق بالنسبة للعديد من القضايا ذات الارتباط بالتعليم. وبالتالي، فلا يمكن اختزاله في متاهة تعليم اللغات ولغات التعليم فقط. بل يتضمن خطة استراتيجية محكمة تتضمنها مادته الثالثة بالأساس. فلا يجب أن ينسينا النقاش حول اللغات ما أتى به القانون الإطار من رافعات أساسية أذكر منها: المجانية المرتبطة بالإلزامية لا سيما التعليم الأولي، بالإضافة إلى تشجيع تمدرس الفتيات والأطفال في وضعية إعاقة أو في وضعيات خاصة، وإقامة الجسور بين التعليم والتكوين المهني المفضي إلى سوق الشغل. بالإضافة إلى تشجيع البحث العلمي والتقني والابتكار واعتماد نموذج موجه نحو الذكاء، والتصدي للهدر والانقطاع والأمية .... إلخ. السيد الرئيس إنه مشروع لكل المغاربة، مشروع للمستقبل، مشروع سيضع بلادنا حتما على سكة التقدم والازدهار والنماء، مشروع لمغرب يعرف من أين أتى وإلى أين يسير. من هذا المنطلق نؤكد بأن هذه المناسبة التشريعية غير المسبوقة التي نحظى بشرف مناقشة هذا المشروع والموافقة عليه، تتطلب منا جميعا، سواء الحكومة كمدبر ومنفذ للسياسات العامة، أو من موقعنا كمشرع ومراقب ومضطلع بتقييم هذه السياسات، أن نكون في مستوى الانتظارات والرهانات في مسألة نعتبرها مصيرية بالنسبة لبلادنا، من خلال الاهتمام وإيلاء العناية لمختلف روافد المنظومة سواء المتعلم أو الأستاذ والمعلم أو المناهج والبرامج أو التكوين وربطه بمتطلبات التنمية وسوق الشغل، في إطار التوازن والعدالة والانصاف وتكافؤ الفرص، ولاسيما في المناطق القروية والجبلية وشبه الحضرية، والمناطق التي تشكو الخصاص والعجز التي تستحق تمييزا إيجابيا لفائدة أطفالها. السيد الرئيس إن إيماننا بهذا المشروع، نابع من إيماننا العميق في الفريق الحركي كامتداد للحركة الشعبية بمغرب المؤسسات، مؤسسات تصنع قراراتها بشكل ديمقراطي، حداثي، ودستوري. لذلك، وإذ نعلن في الحركة الشعبية انخراطنا في هذا المشروع بكل مسؤولية ووطنية كما كان دأبنا دائما حينما يتعلق الأمر بالنسبة للقضايا الكبرى للبلاد، فإننا نقول، بأننا قد نتفهم بعض التأخر في مسطرة الموافقة على هذا القانون، ولكننا لا نقبل التأخر في الإصلاح الشامل لهذه المنظومة بشكل كلي وجذري. نسأل الله التوفيق في التقدير والاختيار، حتى نكون عند حسن ظن البلاد والعباد، تحت القيادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) صدق الله العظيم شكرا لكم جميعا والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته