في المغرب صنفان من السراق ،سراق من طبقة الأغنياء وذوي النفوذ، وسراق من طبقة الفقراء ذوي الخصاص والإحتياجات ،وبينهما صنف ثالث يشكل فرائس الصنفين السابقين، ويسعى الى تحقيق حلم المجتمع العادل الذي تصان فيه الحقوق ويحافظ فيها على الأنفس والأولاد ، وهذا الصنف الفريسة يعمل بكل بجهد لبناء دولة الحق والقانون ليتحول السراق الفقراء الى مواطنين لهم حقوقهم ويضمن مستقبل أبنائهم ويوضع حد للسراق الأغنياء بوجود المحاسبة والعقاب عندما يكون لدينا القضاء الكامل الإستقلال والدولة المحايدة التي لا تكون رهينة الأغنياء سواء كانوا سراقا أوغير ذلك، بل دولة تنصاع لقواعد قانونية من صنع الشعب وبكامل إرادته . وكلا الصنفين من السراق لهما مجالهما الحيوي ومناطق عملياتها. ولهما من أدوات العمل وطرق التدخل المختلفة لإصطياد الفريسة ،وللصنفين من السراق مدارس لتطوير مهنة السرقة، وابتكار أساليب النصب والإحتيال و في ذلك لا يختلفان سوى في المواقع والمناهج وأدوات السرقة وطرقها. . إن الأغنياء في المغرب شريحة اجتماعية فيها النزهاء والشرفاء الذين اغتنوا بفضل سواعدهم ومجهوداتهم الشخصية ، أماالثروة الموروثة عن الآباء والأجداد فلا علم لنا كيف حصلوا عليها، سوى أن البعض كان متعاونا مع المستعمر الفرنسي أوالإسباني فاستعمل شطارته ونذالته معا لنقل ملكيات الأراضي والعقارات والمنقولات الثابتة وغيرها، فسجلها في سجلات المحافظة العقارية باسمه أوباسم أولاده وزوجاته وبذلك أصبح سارقا غنيا وبالحجج والدلائل لا أحد يستطيع مطالبته باسترجاع ما استحوذ عنه خاصة وأن اتفاقية (إكس ليبان) تحافظ على حقوقهم والحكومات المتعاقبة التزمت بذلك بموجب اتفاقيات بينها وبين دولة الحماية سابقا . إلا أننا نعلم أن الحفدة اشتغلوا وراكموا ثروات الى الغنى الموروث ولا ضير في ذلك مادام القانون يسمح لهم بذلك وكذلك الدين الإسلامي ، ويؤدون الضرائب والزكاة . أما السارقون الفقراء عندنا فهم كثر ويزداد عددهم مع تفاقم السياسات المتبعة فهم يسرقون كل ما له قيمة ظاهرة أو باطنة ، فهناك العديد من التخصصات والمجالات التي يزاولون فيها حرفة السرقة ، مجالات الإليكترونيات من هواتف نقالة وحواسيب ومجالات السرقة بالإعتداء بالسيوف والأمدية والسرقة في الأطوبيسات وكل وسائل النقل العمومي وقرصنة الحقوق الفنية ، وهناك سرقة السيارات العادية والفارهة ولكل واحد تخصصه وسرقة المنازل وسرقة المواشي والأبقار في البوادي والضيعات ، وسرقة البالوعات الحديدية وأبواب عدادت الماء والأسلاك الكهربائية النحاسية وعلامات التشوير وصناديق القمامة البلاستيكية . وبالجملة هناك أجيال من المحترفين في السرقة تخرجوا من مدارس السجون جراء الأحكام الجائرة التي تصدر في حق الأحداث ،وسارق البيضة عندنا يتحول الى مجرم محترف يهوى العود ويفتخر بالسوابق كالنياشين في سجله العدلي .وغالبية السراق عندنا لا يرحمون المرأة العجوز ولا الشاب اليانع فالهدف يبرر السرقة ، وغالبا ما يكون الفقر هو السبب للسرقة فلا أعتقد أن يوجد في المغرب ولا في البلدان المتخلفة والمتقدمة على السواء من يسرق من الفقراء من أجل السرقة . . فالآفة من صنع السياسات الإقتصادية والإجتماعية المتبعة من قبل الدولة وساهمت فيها الأسرة الفاقدة الرعاية والتتبع النفسي والإجتماعي ومناهج التدريس التي تحث على التيئيس من قبل بعض المعلمين والأساتذة الذين بفعل تكوينهم الضعيف الذي لا يرتبط بالتنمية النفسية والسلوكية للتلميذ والطالب على حد سواء، مما ينتج جيلا من التلاميذ التي تتولد لديهم كل العقد وكل السلوك العدواني على المدرس نفسه وكل أدوات التدريس إن وجدت. والنتيجة في كل هذا هو مجتمع تتقاطعه ظواهر اجتماعية منحرفة من دعارة وتسول وأمراض إجتماعية كالجنون وفقدان الذاكرة ونفسية كانفصام الشخصية،لأن المخدرات وحبوب الهلوسة توجد في كل الدروب والأزقة وأمام أبواب المدارس دون رادع ولا ناه ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. إن كل أنواع وأصناف السرقات يمكن علاجها بتتبع مسبباتها وتأطير وتربية الفاعلين في مراكز تخصصها الدول لهذا الغرض ، إلا سرقة الوطن فلا يمكن معالجتها في مثل هذه المراكز، لأن علاجها يقتضي وعيا سياسيا يضع المواطن في بؤبؤ العين ويؤطره من خلال سياسة مواطنة وليس كما هو عليه الحال الآن، حيث نجد أننا أمام مواطن مجوف من الداخل من ناحية رصيده المعرفي والعملي والقيمي والسلوكي وممارساته المدنية ، لأنه مواطن لم يجد أمامه طريقا معبدا ليسير فيه دون عثرات وحفرات ، لذا فلا غرابة أن نرى السرقة وأشياء تسيئ لهذا الوطن العزيز من ظواهر تحط من قيمته ، فالوطن هذا الكيان الذي في وجداننا من جغرافيا وتاريخ وحضارة غربته السياسة عنا وحجبت عنا محبته وحال بيننا وبينه جدار سميك وضعت أساسه بالإسمنت المقوى سياسة فيها كثير من الكبت والقمع وكثير من التهميش والإقصاء وعدم رد الإعتبار للمواطن والإستماع اليه في اتخاذ القرارات ، لحد أننا نجد أغلب الشباب يفكر في الهجرة ولو عبر قارب لايوصل سوى لفم القرش وكأن لسان حالهم يقول "اللهم القرش ولا ذل العيش" .