قال الدكتور "إدريس الكنبوري"، الباحث والمفكر المغربي، إن قضية الصحراء المغربية عاشت مرحلة صعبة في أمريكا اللاتينية خلال السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، بسبب الدعاية السياسية والإيديولوجية القوية التي كانت تقوم بها الجزائر وجبهة البوليساريو، وعدم استثمار المغرب في اللغة الإسبانية وفي صناعة نخبة ناطقة بها أسوة بالنخبة الفرانكوفونية يغيرون الكفة لصالح المغرب. وبرهن الباحث على ذلك بأن مجيء الملك محمد السادس إلى الحكم في نهاية التسعينات غير المعادلة بشكل جذري، كونه أول ملك في تاريخ المغرب الحديث يجيد اللغة الإسبانية ويتوجه إلى القارة بشكل مباشر، مما دفع عددا من بلدان أمريكا اللاتينية إلى تغيير مواقفها من الصحراء ومن المغرب، بعد الجولة الملكية في عام 2004 التي همت أربعة بلدان مهمة في أمريكا الجنوبية. جاء ذلك في ملتقى بكلية الآداب بالرباط يوم الأربعاءالماضي نظمه مختبر الدراسات في أمريكا اللاتينية بالكلية، بشراكة مع "ماستر أمريكا اللاتينية: العولمة، التبادل الثقافي وتحديات القرن 21"، حول موضوع "الصحراء المغربية وأمريكا اللاتينية: نظرتان متقاطعتان"، شاركت فيه الباحثة الكولومبية كلارا ريفيريس والباحث المغربي الدكتور إدريس الكنبوري، في وجهتي نظر متقابلتين، الأولى تمثل المغرب والثانية تمثل أمريكا اللاتينية. وأشار رئيس ماستر أمريكا اللاتينية بالكلية، الدكتور مصطفى أوزير، إلى أهمية الانفتاح على القضايا الكبرى التي تخدم ملف الصحراء المغربية كملف وطني يهم مختلف الأوساط بالمغرب، الرسمية والأكاديمية والشعبية، داعيا إلى تعزيز تعليم اللغة الإسبانية بالمغرب وتكثيف التعاون مع الجامعات والمؤسسات الفكرية والبحثية في أمريكا اللاتينية. وأضاف الدكتور أوزير أن ماستر أمريكا اللاتينية بجامعة محمد الخامس تعتبر اختيارا استراتيجيا لأنها قاطرة الديبلوماسية الأكاديمية والثقافية بالنسبة لقضية الصحراء المغربية. وأكد أوزير أن الماستر المذكور يعتمد مقاربة ثلاثية الأبعاد، البعد الأول هو تكوين نخبة من الطلبة المتخصصين الذين يمكنهم مخاطبة جيلهم من أبناء أمريكا اللاتينية، والثاني يتجلى في الأبحاث والدراسات العلمية التي يقوم بها الأساتذة والطلبة من خلال الإنتاج والترجمة، أما البعد الثالث فيتمثل في الشراكات والتعاون مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثة في أمريكا اللاتينية وتبادل الطلبة وتنظيم الندوات والمؤتمرات المشتركة. وقال أوزير إن الهدف من هذا كله هو خدمة القضية الوطنية العادلة لبلادنا وتحسين صورة المغرب في الأوساط الأكاديمية والإعلامية. كما أشاد عميد الكلية، الدكتور جمال الدين الهاني، بمبادرة الماستر والتفكير في عقد ندوة تجمع باحثين من بلدين مختلفين لمقاربة موضوع واحد، انطلاقا من زاوية أكاديمية تركز على البعد الثقافي في العلاقات بين المغرب وأمريكا اللاتينية. وقالت الباحثة الكولومبية كلارا ريفيروس إن نزاع الصحراء بين المغرب من جهة والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة ثانية قد تجاوز الحدود المغاربية وانعكس على علاقات الأطراف الثلاثة بأمريكا الجنوبية. وتناولت الباحثة عناصر التحيز في المقاربة الأكاديمية والإعلامية في بلدان القارة لملف الصحراء إلى جانب الأطروحة الجزائرية وأطروحة البوليساريو، حيث اعتبرت أن نزاع الصحراء في بلدان أمريكا اللاتينية غير معروف بشكل كاف، كما لا يتم التطرق إليه كثيرا في الأبحاث الأكاديمية أو الكتابات الصحافية. من جانبه قال الباحث المغربي إدريس الكنبوري إن المغرب تأخر طويلا في المراهنة على أمريكا اللاتينية وركز في سياسته الخارجية خلال السبعينات والثمانينات على المحور الأوروبي وبشكل أقل المحور الإفريقي ولم يهتم بالقارة، مما ترك فراغا استغلته جبهة البوليساريو والنظام الجزائري الذي وظف ورقة العالم ثالثية والنظام الاشتراكي للتقرب أكثر إلى أنظمة أمريكا اللاتينية ذات النزعات الثورية في فترة بداية النزاع حول الصحراء، مضيفا بأن الديبلوماسية المغربية أهملت البعد الثقافي تجاه القارة، خصوصا ما يتعلق بالإرث المشترك المتمثل في التاريخ الأندلسي وحضور اللغة الإسبانية بالمغرب. وأرجع الباحث ذلك إلى هيمنة التيار الفرانكوفوني في المغرب وعدم خلق توازن بينه وبين التيار الإسبانوفوني. وانتقد الكنبوري الأحزاب السياسية المغربية خصوصا أحزاب اليسار التي لم تكن تملك ديبلوماسية موازية في ما يتعلق بالقارة، بسبب هيمنة تيار الفرنسية من جانب وبسبب تركيز تلك الأحزاب على الصراع الداخلي حول السلطة على حساب الدفاع عن القضية الوطنية الأولى. وأعطى مثالا بوصول الاشتراكيين إلى الحكم في فرنسا وإسبانيا في نفس الفترة تقريبا عام 1981 و 1982 عندما وصل فرانسوا ميتران إلى السلطة في فرنسا وفيليبي غونزاليس إلى السلطة في إسبانيا، لكن المغرب عرف كيف يتعامل مع الاشتراكيين الفرنسيين بسبب هيمنة التيار الفرانكوفوني بينما فشل في التعامل مع الاشتراكيين الإسبان، الأمر الذي نتج عنه اعتراف الحزب الاشتراكي الإسباني بالبوليساريو ودولته الوهمية. ودعا الكنبوري إلى الاهتمام أكثر باللغة الإسبانية والمشترك بين المغرب وبين أمريكا اللاتينية، مبدئيا أسفه على تراجع اللغة الإسبانية في المؤسسات التعليمية بالمغرب لصالح اللغة الفرنسية، وقال إن المغرب كان من حظه أنه احتل من بلدين أوروبيين يتحدثان لغتين مختلفتين هما فرنسا وإسبانيا، لكنه لم يمتلك القدرة على توظيف اللغتين معا في ديبلوماسيته الجديدة.