نجد لزاما علينا اليوم التطرق لموضوع يطرح علينا وعلى هذه الأكثرية الصامتة عدة تساؤلات بعد استقالة المثقف والسياسي وغيابهما عن نقاش أمور جدلية واكتفائهما بالأفكار المنمطة وعدم معاكسة التيار الجارف. وبما أننا نرفض بقوة هذا الإرهاب الفكري الذي تمارسه علينا الحركة الأمازيغية فإننا سنظل نتطرق لموضوع الأمازيغية من كل جوانبه لحساسيته وخطورته على وحدة المغرب والمغاربة. نتحدث اليوم عن تدريس الأمازيغية ونحن على عتبة موسم دراسي جديد بعد التوجه الحكومي نحو تعميمها أفقيا وعموديا. ونحن نتساءل ومعنا أولياء أمور التلاميذ ونسأل معالي وزير التعليم عن جدوى تدريس لغة ما زالت في طور التقعيد ولا مراجع لها لا في العلوم ولا في الآداب وفرضها على كل المغاربة. ونحن ندعو من سينتقدنا أو يتهمنا بالعنصرية إلى ترك الإيديولوجيا والعاطفة والدستور جانبا وتحكيم العقل والمنطق. فالدستور ليس كتابا مقدسا ونحن نسمح لأنفسنا بانتقاده. فمع كل احترامنا للثقافة الأمازيغية كإحدى مكونات الثقافة المغربية، ولا جدال في ذلك، فنحن لا نرى لرموز تيفناغ ولا لهذه اللغة الخارجة على التو من المختبرمكانا في المنظومة التربوية لأنها لا تفي بالشروط التي تؤهلها إلى ذلك. وعجزها الواضح عن مسايرة الواقع وتخلفها عن الركب المعرفي والعلمي لا يشفعان لها لتبوء مكانة متميزة بين اللغات الحية التي يسعى التلاميذ لتعلمها. وهي لا تشكل بالتالي أية قيمة مضافة للمتلقي. أعتقد أن علينا أن نتحلى بالشجاعة والجرأة في التطرق لمثل هذه الأموروالكف عن الضحك على الذقون وإثقال كاهل التلاميذ بلغة لا شيء يقرأ بها. وحتى المدافعون عنها فهم لا يستعملونها لا شفويا ولا كتابيا. ويكفي مشاهدة مداخلات غلاة المتحمسين لها لنرى أنهم لا يستخدمون إلا العربية أو الفرنسية. ويكفي أيضا أن نقوم بإطلالة على مواقع الصحف الأمازيغية لنكتشف أن اللغة العربية هي السائدة وأن الأمازيغية ورموز تيفناغ مغيبان بشكل كامل. فما فائدة أمازيغية إذن لا يستعملها حتى أصحابها والتي من المفترض أن يتمكن دارسها قراءة الصحف كأضعف الإيمان. إلا أنهم في الوقت ذاته يريدون فرضها على كل التلاميذ. إننا أمام تدريس مادة إيديولوجية فقط لإرضاء نزوات حركة أمازيغية لن تكف عن مطالبها حتى يتم تمزيق المغرب إلى دويلات. لقد كان من الأفضل أن تكون الأمازيغية مادة اختيارية لمن أراد أن يتعلمها من التلاميذ. ومحاولة فرضها على الجميع دون استشارة أولياء الأمور سيجابه بالرفض. والغالبية الساحقة من التلاميذ تفضل تعلم الإنجليزية في سن مبكر حتى عوض الفرنسية التي فقدت بريقها وأصبحت نسيا منسيا في أوساط العلماء والباحثين. ولكي أبدد هذا السيل من الاتهامات التي ستردني، فإنني أقول لإخوتي الأمازيغ أنه لا نية عندي البتة للتطاول على ثقافتهم التي هي جزء من كل واحد منا إسوة بالثقافة العربية والحسانية والأندلسية والإفريقية. إلا أن ما أجادل فيه هو هذا التسيير الأيديولوجي الطائفي لملف الأمازيغية من قبل الدولة والأحزاب السياسية ونشطاء الحركة الأمازيغية. إن ما أجادل فيه هو لجوء الدولة إلى نشطاء أمازيغ ملاحدة كمخاطبين لها ووضعهم على رأس المعهد الأمازيغي. وكلنا يعرف مدى عداء هؤلاء للإسلام وللثقافة العربية. لذا لم يكن غريبا أن يختار هؤلاء رموز تيفناغ عوض الحروف العربية المتجذرة في وجدان الأمازيغ لحمولتها الثقافية والدينية. وسيدي محمد المختار السوسي العالم الفذ كان يحب اللغة العربية ويكتب بالسوسية مستعملا الحروف العربية. كما لم يكن غريبا أن يلجأ ملاحدة المعهد الأمازيغي إلى توحيد كل الأمازيغيات في أمازيغية واحدة معيارية وإفراغها من كل مصطلحاتها العربية، بهدف الدخول في منافسة شرسة مع اللغة العربية. وحتى تحية الإسلام ًالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهً تم تعويضها بمصطلح ًأزولً لإلغاء أي علاقة لهذه اللغة الجديدة بالإسلام وباللغة العربية. إن ما وجب الإشارة إليه هو أن توحيد الأمازيغيات واعتماد حرف الكتابة شكلا على الدوام وإلى الآن عنصر نقاشات شائكة حتى بين الأمازيغ أنفسهم بين مدافعين عن الحرف العربي لحمولته الدينية والثقافية وقربه من قلوب الأمازيغ، وبين علمانيين ملاحدة يفضلون تيفناغ والحرف اللاتيني فقط نكاية بالعرب وبلغتهم وبهدف إبعاد بني جلدتهم عن الإسلام. كما أننا ما زلنا نقرأ مقالات لمثقفين، خصوصا من منطقة الريف، يدينون فيها تسلط وهيمنة اللوبي السوسي على المعهد الأمازيغي الذي فرض اللهجة السوسية على اللغة الأمازيغية الجديدة وهمش الريفية. وهم يطالبون اليوم بإعادة النظر في عملية توحيد اللهجات وتمكين كل لهجة من التطور في منطقتها الخاصة والارتقاء بها إلى مرتبة لغة في إطار التسيير الجهوي المرتقب. وهو ما يحيلنا إلى مسألة دسترة الأمازيغية التي كانت خطأ فادحا سيجلب للمغرب العديد من الويلات وسيدخله في دوامة من عدم الاستقرار شبيهة بحالتي بلجيكا وكندا إضافة إلى مصاريف باهضة في الترجمة وإدخال تيفناغ إلى الإدارة مما سيثقل كاهل الدولة ويزيد من عجزها الاقتصادي المزري سلفا. والمغرب بمشاكله الراهنة في غنى عن تبذير المال العام في مصاريف إضافية لن تعود بالنفع على عموم المغاربة. لقد كان من الأولى ومن المنطقي أن يتم اعتبار الأمازيغيات لغات وطنية تتطور وتنمو كل واحدة منهن على حدة في منطقتها الخاصة وأن تعتمد على الحرف العربي الأقرب إلى وجدان الأمازيغ. وفي الوقت ذاته تتعهد الدولة بحماية وتنمية كل الثقافات الأمازيغية والعربية والأندلسية والحسانية والإفريقية المكونة لثقافة مغربية متعددة. إن تدريس الأمازيغية وفرضها على كل التلاميذ ليس إلا حلقة من مسلسل انتكاسات تدبير الملف الأمازيغي بدأت فصوله بخطاب أجدير الكارثي بكل المقاييس مرورا بخطاب 9 مارس الذي أحيى النعرات القبلية وأحدث شرخا في النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية ما كرس تحويل المجتمع المغربي إلى مجتمع عرقي طائفي يتم فيه الولاء للعرق والقبيلة أولا قبل الولاء للوطن وأصبحت فئة من المجتمع لا ترفع إلا علمها العرقي وترفض رفضا قاطعا رفع علم المغرب. وتوالت الانتكاسات بعد اعتماد رموز تيفناغ وتوحيد الأمازيغيات ودسترتها لنصل في نهاية المطاف إلى وضع لغوي متأزم ومأساوي تهيمن عليه لغة المستعمر الذي عاد إلينا من النافذة بفضل عملاء له بيننا وأضحى أكثر قوة من أي وقت مضى مستفيدا من حالة الهيجان حول الأمازيغية ومحاولاتها منافسة العربية من أجل إزاحتها. لقد قلنا قبل سنة عند احتدام النقاش حول الأمازيغية إن دسترتها ستشكل خطرا على وحدة المغاربة وأن الأيام بيننا لنرى كيف ستؤول إليه الأمور. وها نحن اليوم بعد عام ونيف من هذه الدسترة المشؤومة نكتشف صدق تنبآتنا. فالمغاربة تمزقت أوصالهم وبات التشنج وإقصاء الآخر والتطاول عليه السمة الرئيسية لمجتمعنا. ولا يمر يوم دون أن يخرج علينا قساوسة الأمازيغية وأحبارها بمقالات تشم منها روائح نتنة كلها حقد على العرب وتطاول على لغتهم وثقافتهم. حتى أن بعضهم اعتبر كل المغاربة أمازيغ وعاميتهم أمازيغية رغم مصطلحاتها العربية، مقصيا بذلك كل المكونات الأخرى وملغيا بجرة قلم كل إسهاماتها على مر العصور. وأصبح البعض اليوم يتطاول في وضح النهار على رموز الحركة الوطنية الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل استقلال المغرب، وهم يصفونهم بأقدح العبارات معتبرين أن الأمازيغ وحدهم من قاوم الاستعمار. وأتانا آخرون ما زالوا يغوصون في التاريخ القديم حتى تجمدت عقولهم ونسوا أن مغرب الواحد والعشرين ليس هو مغرب ما قبل الميلاد. وهم لا زالوا لم يستوعبوا أن أجناسا وحضارات مرت من هنا وتركت بصماتها في المعمار والثقافة. وهم باتوا اليوم يطالبون بإعادة كتابة تاريخ المغرب على مقاسهم. ولم تفلت أحزابنا السياسية بليبرالييها ويسارييها وإسلامييها من الدلو بدلوها في هذا المسلسل الباهت والمزايدة السياسية. فأحدهم هددنا بإنزال الشعب إلى الشارع دفاعا عن الأمازيغية، بينما ذهب آخر إلى توعدنا بأنه سليط اللسان في الدفاع عنها واستغلها آخر وركب عليها علها توصله إلى زعامة الحزب. وأتتنا أخرى لتخبرنا بأن مصطلح الربيع العربي يصيبها بالدوار. إلا أن الطامة الكبرى أتتنا من الحزب الإسلامي المخزني الحاكم ومن رئيس حكومتنا العتيدة. فوزير خارجيتنا الذي له حساسية من كلمة عربي، لم يجد ملفا أكثر سخونة يبدأ به مشواره الديبلوماسي غير تغيير اسم اتحاد المغرب العربي ورفض مصطلح الربيع العربي. وهو بهذا التصرف الأخرق يضع ولاءه لقبيلته فوق مصالح الوطن، متناسيا أن تغيير اسم هذا الاتحاد ليس من اختصاص وزراء الخارجية. ونحمد الله على تدخل وزير الخارجية التونسي الذي كان أكثر حكمة وأعاد وزيرنا إلى مكانه وأكد على عروبة دول هذا الاتحاد وعلى انتمائهم للحضارة العربية الإسلامية التي لا تعير وزنا للعرق والقبيلة. إنها مشكلة الإسلاميين المغاربة الذين يجهلون مفهوم العروبة خلافا لنظرائهم في تونس ومصر وفلسطين ولبنان وغيرها. فالأستاذ خالد مشعل والشيخ إسماعيل هنية والأستاذ راشد الغنوشي والشيخ المجاهد حسن نصر الله وغيرهم من زعماء الحركة الإسلامية لا يجدون مضاضة في الحديث عن العروبة كمفهوم حضاري يرتكز على الإسلام ولا يعاديه ويعتزون بها. أما رئيس حكومتنا الغريب الأطوار والغارق في تناقضاته وشعبويته، فبعد أن وصف رموز تيفناغ بالصينية عاد ليكتب بها لافتات حزبه حتى خيل إلي وأنا أشاهد لقطات من مؤتمر حزبه الأخير أنني أمام تجمع للكونغرس الأمازيغي. من المؤسف إذا أن نرى بعض نشطاء الأمازيغ المسلمين وقد وضعوا يدهم في يد غلاة متطرفين وملاحدة يتاجرون بالأمازيغية من أجل ضرب الإسلام والعداء للعرب ولثقافتهم. وأصبحوا رغم إسلامهم يغلبون النعرات والعصبية القبلية ويعادون المشرق العربي بغير وجه حق. وهم ربما تصدق فيهم الآية الكريمة التي نزلت في حق الأعراب عندما ظنوا أنهم آمنوا ولكنهم أسلموا ولم يدخل الإيمان إلى قلوبهم. هذا إذن واقع المغرب بعد سنة من ترسيم الأمازيغية. تشرذم وعصبية قبلية وإقصاء للآخر وعودة إلى أساطير وأوهام التاريخ القديم. فهذا ما جنته دسترة الأمازيغية علينا وما جنينا به على أحد. رحم الله أبا العلاء المعري.