كشفت التداعيات التي أثارها توظيف ماركة الأزياء الإيطالية الشهيرة، "دولتشي أند غابانا" مؤخرا لأعواد الأكل الصينية "كواي تسي"، بشكل غير لائق، في إحدى إعلانتها الإشهارية عن العواقب السيئة للاستخفاف بالثقافات المحلية من قبل شركات عالمية، بعد ردود الفعل الواسعة المنددة بالاشهار وحملة مقاطعة الشركة. والإشهار المثير للجدل للشركة، التي كانت تستعد لإحياء عرض كبير في شانغهاي بحضور مشاهير وفنانين ومصممين من الصين وخارجها قبل إلغائه، صور عارضة أزياء صينية، تحاول أن تتناول "البيتزا" و"المعكرونة" الإيطالية، بواسطة عيدان "كواي تسي"، إلا أنها تجد صعوبة بالغة في القيام بذلك. وضجت مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي الشهيرة في الصين، بردود فعل غاضبة على هذا الإشهار الترويجي، ليتصاعد الجدل أكثر بعد انتشار تدوينة "مسيئة" قيل إنها تعود لستيفانو غابانا صاحب "دولتشي أند غابانا"، وهو ما دفع مشاهير وفنانين ومصممين صينيين إلى إعلان مقاطعتهم لعرض الشركة الذي كان مقررا في شانغهاي بداية الأسبوع المنصرم، لتضطر الشركة إلى التراجع عن حفلها. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ أقدمت شركات تجارية إلكترونية شهيرة في الصين بإعلان مقاطعة منتجات "دولتشي أند غابانا" وسحبها من التداول على منصاتها الالكترونية مثل "تاوباو" و"تيمول"، وهو ما يفقد هذه العلامة التجارية المرموقة إحدى أسواقها المهمة بالنظر إلى كون الصين تشكل سوقا استهلاكية ضخمة ، وشرائح مهمة من ساكنتها تقبل على منتجات هذه العلامة. وكاد الأمر أن يأخذ بعدا دبلوماسيا لولا أن وزارة الخارجية الصينية ارتأت الاكتفاء بإثارة الانتباه إلى تفهم وجهة نظر الصينيين للقضية، بحيث أكد المتحدث باسم الوزارة، قنغ شوانغ، خلال لقاء صحفي، أن "الصين لا ترغب في رفع حادثة دولتشي أند غابانا الى قضية دبلوماسية، ولكن على العالم الخارجي أن يفهم نظرة الصينيين الى هذه القضية". كما أجج هذا الحادث مشاعر الاعتزاز بالثقافة الوطنية الصينية العريقة، إذ دخلت وسائل إعلام صينية على الخط موجهة انتقادا شديدا للشركة واتهمتها بعدم احترام الثقافة والخصوصيات المحلية. وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة "الشعب" أن الإعلان الإشهاري للشركة "قد لا يكون بالضرورة متعمدا، ولكنه في الواقع رسم رمز ثقافي بمستوى منخفض"، معتبرة أن السبب "يعود إلى عدم فهم الثقافة الصينية، أو افتقار الى الاحترام والتسامح". وأبرزت أن هذا الحادث "يظهر مدى قوة مستخدمي الإنترنت الصينيين في الدفاع عن كرامة البلاد، لأن وصف بلد ما باستخدام الرموز التعبيرية غير مقبول في أي مجتمع حديث"، مشددة على أن العلامات التجارية "التي لا تحترم ثقافات الغير ليست جديرة باحترام المستهلك، ولا تستحق العولمة ". وأضافت الصحيفة أنه "ليست المرة الاولى التي تستخدم فيها الشركة اعلانات مسيئة لثقافات الغير"، مذكرة بأن الشركة نشرت في العام الماضي في إحدى إعلاناتها بعض الصور تبين "التباين الشديد" بين التنمية والفقر في البلاد، معتبرة أن اختيار الشركة "مشاهد أحادية" في الصين أمر "غير عادل". وقالت إن " الاقتصاد العالمي يسير نحو الاندماج تدريجيا (...) وهذه ليست علاقة بسيطة بين الشراء والبيع، بل يسبقها الاحترام والتسامح والاعتراف المتبادل"، معتبرة أنه "لا يزال هناك غطرسة وتحيز، بالرغم من تعميق التبادلات بين الثقافات، مما يعوق وتيرة النمو المشترك". وأكدت أن " فتح الصين أكثر من 9,6 مليون كيلومتر مربع من أراضيها أمام الأجانب، ليس للنشاط التجاري فحسب، وإنما لمشاهدة التقاليد - عظمة الثقافة والحضارة الصينية امتدت أكثر من 5000 عام-، ومشاهدة الواقع - أكثر من 1,3 مليار شخص يناضلون من أجل حياة أفضل-، ومشاهدة المستقبل - عدم امكانية فصل التنمية في الصين عن العالم، وأن التنمية العالمية بحاجة الى الصين". وفي مقال سابق، تحدثت الصحيفة عن أهمية "كواي تسي" في تجسيد مشاعر الصينيين عبر آلاف السنين، مبرزة أن استخدامها انتقل إلى اليابان وشبه الجزيرة الكورية وغيرها من الدول في شرق آسيا تحت تأثير الثقافة الصينية القديمة. وأشارت إلى انه بالإضافة إلى وظيفتها كأدوات المائدة، تحتوي "كواي تسي" على مضامين غنية لرؤية الصينيين في الحياة والثقافة وآداب السلوك، بحيث أن "أعواد الأكل الصينية طويلة ومستقيمة وذات نهاية كليلة، ما يجسد تسامح وروح السلم للأمة الصينية". ومما لا شك فيه أن التداعيات السلبية لهذه الواقعة ستشكل درسا لباقي الشركات الكبرى العاملة في الصين لتجنب إثارة استفزاز الرأي العام في إعلانتها الإشهارية وتوخى الحذر أكثر في التعامل مع الثقافات المحلية، ليس في الصين فقط بل أيضا في البلدان الأخرى التي تتواجد فيها هذه الشركات. (مراسل الوكالة ببكين : خالد العيموني)