لطالما بادرنا الأستاذ بالسؤال عن طموحاتنا المستقبلية ، سؤال جوهري يخفي وراء بساطته اللغوية و تركيبة حروفه الأبجدية أحلاما كبرى و طموحات فضلى ، سيل من الأفكار الكثيرة و المشاريع المثيرة و التطلعات التي تفوق حدود المعقول بل و تتجاوز المستحيل .. هي أحلام نسجت بمزيج من البراءة و العفوية و امتدت لتصبح هدف الإنسان في الحياة و وجهته التي لا مفر له منها إلا إليها. ينطلق كل منا في الحديث عن حلمه البديع بشغف كبير و سعادة غامرة تتملكه من أصابع قدميه حتى أعلى رأسه ، لتبرز معالمها على وجنتيه و عينيه الجاحظتين اللتين يملؤهما الأمل و الحماس و كله رجاء أن تمر الأيام و تطوى السنوات ليتحقق طموحه ، و يجعل حلمه واقعا معاشا بل و يحتل الصدارة و بجدارة .
للوهلة الأولى قد يبدو الأمر سهل المنال سلم ستصعده خطوة تلو أخرى او طريق ممتد لا يسعك سوى المضي فيه قدما حتى تبلغ مسعاك ، انه أشبه بإتباعك لكتيب تعليمات ، منهج ستسير وفقه حتى النهاية .. نعم هكذا تبدو الصورة الأولى ، لكن ما إن تنتهي سنوات التكوين المهني او البحث الأكاديمي او التعليم العالي إلا و يهتز كيان الشاب و يتداعى عالمه من الأحلام بل و تتقلص الرؤيا إذ لم نقل تنعدم ، ليبدأ بالتفكير فقط في كيفية قضاء يومه و تلبية احتياجاته معتمدا على مهن موسمية لا تتناسب و سنوات تكوينه المهني و مشوار كده و جهده في مدرجات الجامعات و الكليات للحصول على شهادة تتوج عمله و تؤهله الى منصب شغل مناسب .
شباب حالم بالاستقلال الذاتي و الازدهار الاقتصادي و التطور الفكري وكذا العمل الاجتماعي ، يصحوا على صفعة واقع أبى تحقيق الرؤيا بل و حول الحلم الساطع الى جرم قاتم يدب في سواد الظلام .
واقعنا يكشف عن نماذج عدة و صور مختلفة لشباب متألق اختاروا الهجرة واستكمال مشوارهم الدراسي و كذا المهني في دول أجنبية ، كما أن البعض يتطلعون شوقا الى الرحيل بطرق غير شرعية قد تودي بحياتهم لا محالة ، بيد أن الأهم لديهم هو الانتقال الى الضفة الأخرى مهما كلف الثمن ، ناهيك عن ارتفاع نسب البطالة أمام عجز في سد الخصاص المتفاقم اثر ارتفاع النمو الديمغرافي المتزايد.
سلبية تتداعى في صفوف الشباب لتجري مجرى الدم في الشريان ، فتستحوذ على أفكارهم و تدفع بعضهم لمعانقة شبح الإدمان و الخوض في متاهة الإجرام فضلا على اعتناقهم مناهج متطرفة و انتمائهم الى جماعات إرهابية .
رغم اختلاف المعيقات و تفاقم الإشكالات المطروحة يظل الشباب الحالم متمسكا بوميض أمل ينير له الدرب ، تحد مستمر قرر قيادته بروح تنافسية رغم الاكراهات فما دامت الإرادة و الطموح موجدان فإن محرك الإبداع لا يزال ينتج جيلا يتحدى كل الصعاب ليتألق في مختلف الميادين ويكون بذلك مثالا حيا على التفوق و النجاح .
من السهل تمجيد الشباب ومخاطبتهم بأجل الأسماء ، فهم قوام المجتمع وقوته بل موارده البشرية التي يعَول عليها ، لكن بعيدا عن هاته الخطابات الواهية وبغض النظر عن تلك الكلمات التي تَشبّع بها الورق وحفظها الشباب عن ظهر قلب ، نحن اليوم في حاجة ماسة الى فرص حقيقية تعيد الثقة في نفوسنا و تدعم أفكارنا الإبداعية و مشاريعنا الخلاقة في شتى المجالات .