لم نستغرب أبدا من طريقة حديث المندوب السوري لدى الأممالمتحدة عن المملكة المغربية خلال كلمته أمام مجلس الأمن يوم مساء الخميس 30 غشت 2012، وهو يوجه كلامه إلى وزير الخارجية المغربية الدكتور سعد العثماني، هذا الدبلوماسي الذي اختلطت عليه الأمور فأصبح يعتبر المساعدة الاجتماعية للاجئي سوريا الذين عانوا من القصف بالدبابات و الطائرات مجرد بهرجة للدول التي تساهم فيها، بل ونعت المخيمات التي تأوي هذه الفئة التي تركت بيوتها و أموالها بالمعسكرات هدفها تدريب الإرهابيين. هذا الثعلب الدبلوماسي الذي كشر عن أنياب أسده الملطخة بدم الشعب السوري أراد أن يلعب لعبة المكر المفضوحة مع الشعب المغربي ، فتارة عبر التكلم باسم المغاربة عندما طالب بإلغاء طقوس البيعة بالمغرب في حين نسي شعبه الذي يسجد لصور بشار في الشارع، و تارة أخرى عبر ترهيبنا بالقضية الأولى للمغاربة و التي هي قضية الوحدة الترابية. و الأكيد أن تحليل كلمة المندوب السوري لم تخرج عن الإطار العام التاريخي لعلاقة نظام سوريا مع "الملكية" كنظام و "جغرافية الأرض" للدولة. فمع حركة الاستقلال التي شهدتها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، و التي قادتها الشعوب للتحرر من الاستعمار، ظهرت خريطة سياسية جديدة تتمثل في زوال الملكيات في عدة دول و من بينها: سوريا، ليبيا و مصر بزعامة ضباط الجيش، بعدما أوهموا شعوب تلك المنطقة أن سبب نكستها يرجع بالأساس إلى الملكية و بأنها لا تصلح كإطار للديمقراطية ، هؤلاء الضباط ( حافظ الأسد، جمال عبد الناصر و معمر لقذافي) لم يخفوا أبدا رغبتهم في الإطاحة بجميع الملكيات و رغبتهم في تحويلها إلى جمهوريات، وهكذا فقد عانى النظام الملكي بالمغرب من عدة مؤامرات خارجية نتجت عنها عدة انقلابات فاشلة في الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي، لتمر السنين و يبرهن التاريخ الحديث أن هذه الدول انتقلت من الملكية المطلقة إلى حكم مطلق من طرف ضباط الجيش حيث استولوا على السلطة التنفيذية و العسكرية و المال، بل و أصبح الحكم في هذه الدول على شكل الملكية الرئاسية، وعوض العمل على تهيئة مناخ الديمقراطية بهذه الدول، عمل حافظ الأسد على توريث منصبه الرئاسي لابنه بشار الأسد و هو نفس المشروع الذي لحسن الظروف لم يرى النور حيث كان حسني مبارك و معمر لقذافي يهيئانه لابنيهما على التوالي جمال مبارك و سيف لقذافي، لولا لطف الأقدار و هبوب رياح الحرية و الديمقراطية على المنطقة. لنتساءل عن منذ متى أصبح "تاج الملكية" يهدد الديمقراطية، ما دمنا نرى دولا ملكية غربية تتمتع بالحرية و الديمقراطية! أما على مستوى "الخريطة الجغرافية" للمغرب؛ فلقد كانت دائما و عبر التاريخ تسيل لعاب الطامعين في هذا الموقع الإستراجي الحساس و المهم، فبعد تبني مشروع القومية العربية من طرف حافظ الأسد و جمال عبد الناصر ، وبعد فشل كل من نظام سوريا و مصر و ليبيا في الإطاحة بالملكية بالمغرب، قامت هذه الأنظمة بدعم الانفصاليين أو ما يسمى ب جبهة لبوليساريو، و اختاروا لها اسم "الجمهورية الوهمية العربية الصحراوية" حتى يجعلون لهم انتدابا في المنطقة، ضاربين عرض الحائط تاريخ الجغرافية للمنطقة و الذي ينص على أن هذه الأرض ليست بشبه الجزيرة العربية و إنما أرض "أمازيغ" والتي تعني باللغة العربية "الإنسان الحر" وأن المغاربة لن يقبلوا بتحريف تاريخ أرضهم! و أن حبهم للغة العربية راجع إلى كونها لغة القرآن و ليس لجعلها أداة لتسويق طروهات زعماء السلطة و التحكم. إن أغلب المواقف السياسية في منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، لم تعكس أبدا إرادة شعوب المنطقة التي تطمح إلى الازدهار و الرقي و تحرير الحدود، فهي بقيت حبيسة مزاج و أطماع بعض زعمائها الذين عملوا على خلق أزمات وهمية بين الشعوب، وإن فلسفتهم السياسية حول تبني مشروع الديمقراطية باسم اللسان (الجامعة العربية) أو الدين ( منظمة التعاون الإسلامي) قد أبانت عن فشلها الواضح و الذي يعكسها واقع المعاملات الاقتصادية المحتشمة بين هذه الدول، وستبقى هذه الشعوب تعاني من مرض "الهلوسة السياسية" لبعض زعماء المنطقة، ما دامت أنها لم تعي بعد أن احترام "آدمية الإنسان" لا تخضع لمقاييس الدين أو اللسان، وأن سمو "الحقوق الآدمية للإنسان" هو مفتاح باب الديمقراطية الحقيقية.