إن الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة بمقر البرلمان، يعتبر لحظة دستورية بالغة الأهمية نظرا للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها المملكة. وأيضا، فهو خريطة سنوية لأعضاء البرلمان بمجلسيه (مجلس النواب، ومجلس المستشارين)، وخارطة سياسية، اقتصادية واجتماعية، يحاول الخطاب رسم معالمها وخطوطها العريضة من أجل التفعيل الواقعي الحقيقي لها. فخطاب الملك هذه السنة بمناسبة الدخول البرلماني، جاء في ظرفية اجتماعية محتقنة وغير مستقرة، يعرف من خلالها المغرب تراجعا على مستوى الأوضاع الاجتماعية، وأيضا على مستوى الحقوق والحريات، وكذا على مستوى البطالة التي ارتفعت نسبها خصوصا في صفوف الشباب. وكما جاء في الخطاب فهذه المرحلة القادمة قوامها "المسؤولية والعمل الجاد. فهذا الخطاب الملكي هو استمرار للخطب الملكية السابقة لكل من خطاب العرش، وخطاب 20 غشت، الذي ركز فيها الملك على نقطة أساسية وهي الوضع الاجتماعي بالمغرب، وعلى الدور الذي يجب على الساسة بالمغرب لعبه لإحداث الاستقرار الاجتماعي، وأيضا على دور الطبقات المتوسطة في تكريس هذا الاستقرار. والخطاب ارتكز أيضا على العالم القروي ببلادنا، وهي رغبة ملكية لإعادة الاستقرار الاجتماعي بتلكم المناطق، عن طريق إجراءات عملية أكد عليها الخطاب الملكي وذلك عن طريق جعل أجل لتقديم هذه المساهمات، وذلك في غضون الثلاثة أشهر المقبلة. فما هو الجديد الذي جاء به الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان؟ أولا: الكلمات المفاتيح للخطاب الملكي إن الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، أكد على أن المشاريع والإصلاحات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي لا تتم إلا عن طريق التعبئة الوطنية، والتماسك الاجتماعي " إن التعبئة الوطنية، والعمل الجماعي يتطلبان توفر مناخ سليم، وتعزيز التضامن بين مختلف الشرائح الاجتماعية. وهو ما نهدف إلى تحقيقه من خلال الإصلاحات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية، التي نعتمدها، من أجل تحسين ظروف العيش المشترك بين جميع المغاربة، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية". هذه الكلمات التي جاءت في خطاب الملك يمكن الربط بينها وبين ما جاء في خطاب 20 غشت وخطاب العرش، حيث أكد على التحفيز والجدية والوطنية ونكران الذات والمسؤولية وخدمة الوطن. فهو خطاب التعبئة الوطنية بامتياز، هذه القيم والكلمات كانت حاضرة بقوة في خطاب الملك بالبرلمان أيضا، هذا الخطاب الذي أكد على أن المشاريع التي شيدها المغرب مؤخرا، أو التي في طور الإنجاز، لا يمكن أن تنجح وأن ترقى لما هو مأمول، بدون روح الوطنية ونكران الذات، والابتعاد عن الخطابات الهدامة التي سيكون لها وقع بالغ ومدمر على شتى المجالات. فالملك عندما أكد على ضرورة وجود المسؤولية والتحلي بها وهو ما أكده بقوله" "والواقع أن المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم؛ وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات "، يعني بأن هناك خلل ومشكل على مستوى الطبقة السياسية التي أصبحت غير قادرة على لعب دورها في مجال التنمية والرقي الاجتماعي والاقتصادي، واقتصارها على التجاذبات والصراعات الداخلية الهدامة، وستعمل على توسيع الهوة بينها وبين الشباب الذي أصبح محارب سواء داخل هذه الأحزاب، أو خارجها، وأصبحت معه هذه الاحزاب غير قادرة على استقطاب الشباب إليها خوفا من أن تصل إلى مراكز المسؤولية فيها، أو خوفا على مناصبهم وكراسيهم داخل هذه الأحزاب. ثانيا: الدعم العمومي للأحزاب وتوظيف الكفاءات في مجالات التفكير والتحليل جاء في خطاب الملك على أنه: " ندعو للرفع من الدعم العمومي للأحزاب، مع تخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها، في مجالات التفكير والتحليل والابتكار"، وهو الأمر الذي سيفتح الباب أمام مجموعة من الأحزاب إلى توظيف كفاءات وأطر قادرة على الرفع من قدرات هذه الأخيرة، وقادرة على مساعدة وإيجاد حلول لمجموعة من المشاكل المرتبطة بها سواء داخليا أو على مستوى البرلمانيين أو المستشارين المنبثقين عن هذه الأحزاب بقبة البرلمان، وفي هذا الإطار ننوه بالشراكة التي قامت بها كل من جامعة محمد الخامس بالرباط، ومجلس المستشارين، ومنظمة ويستمنستر البريطانية من أجل الديمقراطية، التي خولت لمجموعة من الشباب الباحثين بسلك الدكتوراه ولوج مجلس المستشارين في إطار تدريب كمساعدين برلمانيين لمدة دورة برلمانية كاملة، الامر الذي خول لهم الاحتكاك بالمجال العملي الميداني، وكيفية سير عمل هذه المؤسسة الدستورية، وأيضا استفادة المستشارين من تجربة هؤلاء الطلبة في مجال البحث العلمي، وهو الامر الذي ندعوا معه إلى العمل على تطوير ومتابعة العمل بهذه الشراكة، والاستفادة من التجربة التي اطلع بها هؤلاء الباحثين. زيادة على أن الملك محمد السادس يركز للمرة الثانية داخل قبة البرلمان على النموذج التنموي الجديد للمغرب وقد نوه جلالته على دور بعض الجهات التي قدمت مساهمات ودراسات في هذا الصدد، كما قرر سموه تعيين لجنة من شانها بلورة نموذج تنموي جديد للمملكة، الامر الذي أكده في الخطاب "لقد دعوت، من هذا المنبر، في السنة الماضية، إلى إعادة النظر في النموذج التنموي الوطني، وبلورة منظور جديد، يستجيب لحاجيات المواطنين، وقادر على الحد من الفوارق والتفاوتات، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية ومواكبة التطورات الوطنية والعالمية. وتبعا لذلك، بادرت مشكورة، بعض المؤسسات والهيآت المعنية وعدد من الفعاليات والكفاءات الوطنية، بإعداد بعض المساهمات والدراسات". ثالثا: الخدمة العسكرية في خطاب الملك فيما يخص الشق المتعلق بالتجنيد الإجباري أو الخدمة العسكرية، فقد أكد الملك على :" إن التوجيهات الهامة، التي قدمناها بخصوص قضايا التشغيل، والتعليم والتكوين المهني، والخدمة العسكرية، تهدف للنهوض بأوضاع المواطنين، وخاصة الشباب، وتمكينهم من المساهمة في خدمة وطنهم. فالخدمة العسكرية تقوي روح الانتماء للوطن. كما تمكن من الحصول على تكوين وتدريب يفتح فرص الاندماج المهني والاجتماعي أمام المجندين الذين يبرزون مؤهلاتهم، وروح المسؤولية والالتزام. وهنا يجب التأكيد أن جميع المغاربة المعنيين، دون استثناء، سواسية في أداء الخدمة العسكرية، وذلك بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية وشواهدهم ومستوياتهم التعليمية". فالخدمة العسكرية من وجهة نظر شخصية هي فرصة لخلق قنوات التواصل بين الشباب فيما بينهم، بحيث أن هذا التجنيد سيخول لمجموعة من الشباب من مختلف أقطار وطبقات بلادنا فرصة الالتقاء وخلق جو من التواصل الإيجابي، وأيضا سيمكن الشباب من تطوير مستواهم العيشي، وتعميق روح الوطنية لديهم، وستخول لهم أيضا التحلي بروح الشجاعة والمسؤولية والانضباط، والدفاع عن حوزة الوطن. والخطاب الملكي جاء فيه توضيح ممنهج حول القانون المتعلق بالتجنيد على اعتبار ان كل المغارية سواسية أمام تطبيق هذا القانون رغم اختلاف مستواهم الدراسي والاجتماعي، الى جانب ان هذا التجنيد سيساعد الشباب على التحلي بروح الوطنية وخدمة الوطن وانه سيحظى بإدماج كل من ابان عن جديته والتزامه في ذلك. فإشارة الملك في خطابه لمشروع قانون الخدمة العسكرية من مجموعة مشاريع قوانين موضوعة أمام أنظار البرلمان، يؤكد على أن الملك مهتم بكل الأمور المرتبطة بالشباب وبالرقي بأوضاعهم، والتي سيعمل على تطويرها وتعزيزها في أقرب وقت ممكن، عن طريق توصيات وخارطة طريق لفائدة الحكومة والمؤسسات والهيآت الوطنية، وهو الامر الذي جاء في الخطاب " إننا نضع النهوض بتشغيل الشباب في قلب اهتماماتنا، ونعتبر أن هناك العديد من المجالات التي يمكن أن تساهم في خلق المزيد من فرص الشغل". رابعا: التكوين المهني والتعليم العمومي في خطاب الملك إن نظرتنا للتكوين المهني الكامنة في ان الفاشلين في التعليم العمومي هم من يلجئون إليه قد تغيرت اليوم، فأكثر من 700.000 ألف طالب في التكوين المهني، الأمر الذي يعكس الأهمية التي أصبحت تحتلها مراكز التكوين المهني ببلادنا. لكن، اليوم يجب أن يكون هناك جسور للتواصل بين ما هو جامعي وما هو تكوين مهني للأشخاص الذي يرغبون في ولوج تكون مهني معين في تخصص معين، لذل ك يجب خلق سياسات عمومية في هذا المجال تتسم بالتنسيق والتواصل فيما بين ما هو جامعي وما هو مهني، وهو ما جعل الملك يؤكد على أنه: " يعد التكوين المهني رافعة قوية للتشغيل إذا ما حظي بالعناية التي يستحقها وإعطاء مضمون ومكانة جديدين لهذا القطاع الواعد. وهو ما يقتضي العمل على مد المزيد من الممرات والجسور بينه وبين التعليم العام في إطار منظومة موحدة ومتكاملة مع خلق نوع من التوازن بين التكوين النظري والتداريب التطبيقية داخل المقاولات ".
فعاهل البلاد أعطى أهمية كبيرة لهذا المجال سواء من خلال خطبه، أو من خلال اجتماعاته الدورية مع مجموعة من المسؤولين عن التكوين المهني، أو عن طريق إطلاقه لمجموعة من الأوراش المرتبطة بالتكوين المهني. الأمر الذي دعا من خلاله الملك إلى تطوير هذا المجال وخلق تخصصات جديدة بحسب التطور الذي يعرفه عالم اليوم، كمثال خلق تخصصات مرتبطة بمجال الطيران، أو بمجال السيارات، وذلك من أجل تسهيل ولوج خريجي هذه التخصصات لسوق الشغل.