قد يتالم الواحد منا بعمق وهو يقرأ ما كتب بصدق ليتساءل عن حال الكاتب لحظة الكتابة .هذا الأخير الذي كلما هم بها الا وحاول جادا مجتهدا ان يحاكي اللحظة بكل طقوسها ليبوح فيرتاح ،ثم يتلفظ بما تكدس من حزن وهم وغم بالفؤاد عله ينزاح،و الا فهي غبطة وبهجة وافراح، فتراه يغرد منتشيا كما البلبل الصداح . بينما قد تراه مرة اخرى كالفارس المغوار الذي يبحث لقلعتة وقد أغلقت بابها، و انهكها ظلام ليل ضال طويل عن مفتاح، زمان رحيله بفيافي مقفرة جياح، او كقبطان سفينة مغامر ملحاح لا يخشى تلاطم امواج اويهيبه زمهرير رياح ،لحظة غوصه في اعماق بحاره عله يفقه ذبذبة قوافيها فيجد السر المنقاح ترياق السقم والجراح فتلحظه يجيد سراح رواح ترجمة أحاسيسه اوتجربته من وفي الحياة بكل ارتياح و بالشكل المباح كامهر سباح في بحور اللغة والحروف كما هو مالوف فيشخص منها صورا لكلماته ويجسد معاني لالفاظه مرتويا من منابعتها الزلال ومحيطها الجلال، بكل ما أمكنه من خبرة و حكمة لاصطفاء جمال للكلمة ،وانتقاء للتعبير، و ارتقاء بالاسلوب مع انسجام محكم للمبنى والمعنى .،حيث انعتاق الروح لحظة البوح، الأمر الذي قد يرقى به الى ابداع حكم وعبر، اوشعروامداح علها تفيد من يقرأها ولو بالقليل المباح، فيراها القارئ حينئذ خلقا و إبداعا، قد خاطب روحه وكيانه واتجذب وذبذبات وثره إلى تياره، فيطرب لحظتها لما يقرا ، لكن الامر في الواقع بالنسبة للكاتب انه طرب من الم، وابداع من حزن دفين ،لم يجد الكاتب له من وسيلة اخرى للتخفيف عن أحزانه والامه، او جروحه واسقامه الا حروفا يقدسها، تترجم احزانا و تضبط ميزانا ،وتبعث نورا، وتجدد رجاءا، وتفتح له باب الأمل ثم تمنحه أمنا و اطمئنانا وسكينة. كيف لا، و الكتابة هي ذاك النبع الزلال الصافي ،والدواء الشافي لروح من يكتب.،هي لحظة صراحة مع الذات وراحة للنفس. اجل،الكتابة هي ذاك الإلهام الموحى من نور مقدس ،شفاف وشاف لكل عرض او مرض، لكل خلل او زلل،.وحده سلطان الحروف قادر على ان يداوي جراحا اويلامس افراحا بالكتابة، وحده هذا الوله المسكون والشغف المجنون والحب السرمدي بها ،المتمكن الامكن من ان يفك خيوط طلاسم كل عتمة او غموض فيجتثه.،كيفما كان ، وايا وانى وحيثما كان،في كل زمان ومكان ،حيث يجول بك ويطوف في دوامة كما الصوفي لحظة تجلي، لتجدد انت الكاتب الرؤيا و تصفي ما بالاعماق اومع الذات في هذا الوجود، فتصفو النفس، ثم تعيد ترتيب الأمور حسب قيمتها وأهميتها ونفعها ونجاعتها .، وحينها فقط ،قد تمنحك الكتابة الثقة والاطمئنان والأمان لترى بزوغ نور فجر جديد ،وأمل يتجدد مع إبتسامة صبح جميل، ونسيم منعش عليل ،تحاكي نسائمه الروح فتمنحها طاقة نورانية تبعث فيها الامل ثم الامل من اجل القيام بوظيفتها في الحياة، بالشكل الافضل، فيشعر الانسان حينيذ بقدره وقيمته في هذا الوجود وقد منحه الخالق عز وجل اقدس ما فيه إلا وهو العقل ، ليتامل و يفكر ويتدبر اياته، فيستلهم من هذا وذاك مهمته في الحياة بتوازن دون افراط او تفريط ،و منه تحقيق طموحاته بالعمل الجاد الواعي والمسؤول،العمل النافع الناجع للبشرية ولن اخالف الحقيقة اذن اذا قلت، إن الكتابة هي قبس من شعاع سماوي وضاء ،ينثر بذور التفاؤل والرجاء في بطحاء اعماقنا وفضاء نفوسنا من اجل حياة متوازنة.، بعد ساعة كسوف وخسوف، ومشاق مخاض عسير يعيشها الكاتب بين مد وجزر على أمل ان يرى مولوده النور و يوهب الحياة برغبة وعزيمة .،من اجل الغاية الكبرى على هذا الكوكب الصغير الكبير الارض.،الا وهي اكرام الانسانية والتعايش بحب وسلام. فالكتابة اذن هي ذاك النور الوهاج المضيء لاغور الكهوف واعتمها،والمؤنس اللبيب لك في أوحش الأدغال واشرسها،هي البوصلة الحكيمة الموصلة لشط الامان،والمرشد الخبير بكل الطرقات وما قد تضمره دروبها اوتخفيه من مفاجأت وربما صدمات،الكتابة هي السراج المنير لأحلك الليالي و اثقلها،والمبدد لأشد ظلمة وأعنفها الكتابة بكل اختصار هي ذاك الروااء الجميل ،والغيث الجليل، شأبيب رحمة لصحاري نفوسنا القاحلة وفيافي اعماقنا المتحولة.، الذى لولاه لما استطاعت البتة ان تستعيد خصبها وخضرتها،نظاراتها ويناعتها،ثم جمال وشموخ نخيلها مع عذوبة لذة ثمارها ، وحرصها باستمرار الاحتفاظ على توازنها . فكلما نظمت وطورت أساليب الزرع اذن،و اثقنت معاييرها وفطنت صنوفها وادركت وقت الحصاد ،كانت الغلة أوفى وازكى. وكلما كنت شغوفا بالكتابة، محبا مخلصا لها، منقحا متذوقا لاجودها، ممارسا لها منتقدا لنفسك قبل انتقاد غيرك لك.، الا وكانت لك مطواعا ، واكثر سخاء، واو فر عطاءا ، وأشد وفاءا، وأنبل جودا، وأجل كرما، وارقى نفعا لك ولغيرك. وأي شيء هو أجمل من كتابة تنشد الكرامة للإنسانية ،و الحب والسلام والحرية.