وددت قرائي الأعزاء، أن أبحر بكم عبر سفينة الشعر والشعراء، واخترت لكم نافدة للشاعر والإعلامي مصطفى غلمان « قلق الباراديم» أو «نظارة العقل» كما يحلو لصاحبها أن ينعتها، تلك النظارة التي تسكن قلقا يحرك أنطولوجيا الحاضر، ويوتوبيا الواقع، وتتوجس من فائت ولَّى، وآت يحتضر، في لحظة تحول صعب، في لحظة تحتاج لمنطقة ظل تستريح فيها القطيعة، قبل أن تتحول إلى منطق للتدافع والاستشكال، ذاك أن مكبح البارادايم يطلق العنان لتكديس فواتير الماضي في محاولة جهيدة للخروج من « تفكير الصندوق» رجما للفعالية التي يمكنها تحطيم رصيد النوسطالجيا، بما هي انتماء وهوية وحضارة. هو احتفاء بقامة من قامات الشعر بالمغرب، سخَّرت محبرها للترافع عن قضايا معذبي هذا الوطن الجريح بتوصيف من صاحبها فرانز فانون، أشبه ب «كاتارسيس»/ تطهير نفسي» لقامة تستحق أن تتقلد بقلادة الشاعر والإعلامي العضوي استعارة من المثقف الايطالي انطونيو غرامشي. قديما قال جيرار نوراييل عرّاب حوليات الذاكرة «من يقرأ التاريخ يحتفظ بشعلة المقاومة» وحديثا قد يقال» من يقرأ الشعر ويتذوقه يحتفظ بشعلة الأمل» في هذا العالم المتهالك، في لحظة عبث صارخ، في لحظة استيلاب ممنهج، كما في لحظة اغتراب لا شعوري نقلا عن الفيلسوف الايراني دريوش شيغان. «قلق البارادايم» غوص في انطولوجيا القلق الوجودي، حفر عميق في سلسلة الانجراحات التي تحكم كينونة الوجود: في التاريخ، الهوية، اللغة، المستقبل، والوجود…،شغب يفيض احساسا بضوء الأعماق، ينير عتمة أضنتها بهلوانية الممارسة وعبثية الشهوة وفحيح النرجسية، غليان روحي تتعانق فيه عفوية الإيقاع مع عوالم الأشكال، ثورة على لغة مُقمسة بلغة مُذوتة، تحرر مشروعا من الانفجارات النفسية، وتمكنها من إخراج مكنونات تختبئ داخل تجاويف اللاشعور، وترنو صوب تثوير الوجود. «قلق البارادايم» ليس من تلك الدواوين التي تأسرها الطمأنينة، وتستكين للعبث، وتُستغوى بالوجود، بقدر ما تتصبب قصائده قلقا، وتنزف ضيقا، لتعلن عن ولادة اسم متوهج في خرائط الكتابة الشعرية، يأتي إلى براري الشعر التي أنهكتها النمطية، واصفرت فيها أعشاب اللغة، حتى لكأنها لا تهدي إلا بذاكرة الخريف. يأتي «قلق البارادايم» محملا بعبق شعري متدفق ومغاير، تتفتح له الذات، وتبصر فيه الأشياء ماهيتها، التي اغتصبت من قبل، وتسبح في جاذبيته مفردات الوجود، بإيقاع كلما تجدد انتقلت الروح، وكلما تغاير نزع الوقت قشرته واتجه صوب نقيضه. «قلق البارادايم» ديوان بنفحات سياسية، يرتمي في أحضان نوستالجيا الزمن الجميل، ويهجر قارة الشعر التي يطالها الانحباس، رحلة بحث مضني عن قلق يعتور ذاتا منهجسة بأسئلة الراهن وقضاياه، في لحظة نكوصية تسم منجزا شعريا، تجذرت داخله نظرية الشر الكويلهي نسبة إلى باولو كويلهو، وأضحت التجربة الشعرية لا تترجم الراهن. «قلق البارادايم» مصالحة مع الذات، مع حاجة مجتمعاتنا في لحظة عبث طافح مع الشعر، دعوة إلى الاغتراف من عرّابة القصيدة النثرية «ديبوفوار»، إلى التمسك بتلابيب دعوة «يوسف الخال»، إلى تأثيث مشاعر وعواطف الأنا الجماعية، والنأي بها عن فردانيتها الجشعة، صرخة من أجل المصالحة مع الذات الحضارية، التي أخفقت في كل وصفات التنوير، وهي تزيغ عن معين الشعر والشعراء. من أعماله الشعرية: 1- «خاتمة لذبيب الوشي»، عن مطبعة دار وليلي بمراكش،1998 2-» ما جاء في الرؤية عند ازدحام الأثر»، عن دار ألواح بإسبانيا، 2000 3- «على شفا موت»، مجلة الحركة الشعرية، مكسيكو، 2004 4- «قاعدة البطريق» دار الحرف للنشر والتوزيع بالقنيطرة، 2008 5- «قلق الباردايم» عن منشورات اتحاد كتاب المغرب فرع مراكش، 2016