هل يكفي هذا القليل من المداد المتبقي في محبرتي ,هل لا زالت هناك كلمات وحروف عذراء نخطب ودها لهذا البياض القاتل في هذا الليل الموجع, هل يكفي هذا الوقت بين زفير وشهيق الشهادة ,هل تكفي المسافة الفاصلة لحمل النعش إلى مثواه الأخير, هل تكفي لحظة الصلاة,لحظة الجنازة, هل تكفي هذه الثواني المعدودة,هل يكفي هذا الوقت القصير لأدون وصية العمر. وصيتي الأخيرة يا سيدتي كالتالي: الوصايا أرقام أنصاف أخماس أسداس أرباع، وصيتي حروف، وصيتي رموز، وصيتي ليست مطالب للتنفيد، ليست أوامر ولا نواهي , وصيتي كلمات لم تفهم، جمل لم تقل، أفعال لم تطبق، أراء لم تدون، إن القصيدة الجميلة لم تكتب بعد أعرف أن الشاعر شيطان,أعرف أن الكاتب لص ماهر,بين الحياة والموت ثواني معدودة , بين الحقيقة والوهم سنوات ضوئية , الموت أمل في غد جميل, فجر مشرق. وصيتي الأخيرة الوفاء ليس في الأرض، الوفاء يحقق معناه وقيمته هناك في السماء البعيدة حيث البراءة، حيث الأصل حيث الشجرة بكل تفاحها، حيث آدم بريء، حيث حواء ليست غاوية، حيث الشيطان أخرس. الإخلاص في السماء البعيدة حيث الحرية حيث عدن حيث الفاكهة الناضجة حيث الكلام العذب والماء الزلال. وصيتي الأخيرة: ابحثوا عن القبح، ابحثوا عن الغدر، ابحثوا عن الخيانة، فثمة الجمال فثمة العمق فثمة السر، وصيتي يا سيدتي لا تزوروا قبري هيهات ثم هيهات استحضروا الروح, الروح معنى ومثل وقيم................. القبر حفرة صغيرة مظلمة، الروح طائر كبير أرجوكم لا تبكوا عني, لا تحزنوا لا تنعوا خبري لا تأبين لا أربعينية لا حداد ولا هم يحزنون, لا تحزنوا أنا مرتاح البال والضمير، أرجوكم لا تزعجونني في نومتي في رقدتي في قيلولتي, لا تحزنوا فأنا في الانتظار أعدكم، سأبني قصرا بالقصب قرب البحر، سأعتني بالحدائق سأربي دجاجا وأرانب وحماما فأنا أعرف عشقكم للبحر للماء للجمال، لا تحزنوا فأنا أعرف حبكم للحياة للابتسامة للحب للسلام, لا تخافوا وإن طالت لحظات غيابي فهي قصيرة ,فأنا في الانتظار على أحر من الجمر على الوفاء ,على الدرب,على المنوال نلتقي إن شاء الله في المحطة الموعودة, أنا في انتظاركم في المحطة الأبدية السرمدية حيث الحب حقيقة ,أنا في انتظاركم بشوق كبير فلا تخلفوا الموعد. رشيد الكامل - خنيفرة .