إذا أراد أي مجتمع سياسي أن يرقى إلى مستوى اجتماعي متحضر عليه أن يكون قابل للتغيير سواء من حيث التكيف مع المتغيرات الدولية أو الوطنية، وهنا لابد من تغيير العقلية والانتقال من وضع إلى وضع سياسي واقعي يتماشى والتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث أن المجتمعات تتغير بتغير الظروف وعوامل الزمان والمكان، تتحكم في الحياة السياسية والاقتصادية، وهي التي تنتج مجتمع حضاري قادر على مواجهات تحديات الظروف والتغيرات، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار أو عدم الاستقرار. لذا فلابد أن يتعلم الإنسان كيف يعيش في روابط وثيقة مع أبناء جنسه، بحيث إذا عاش الناس معا وتبادلوا الاعتماد بعضهم على بعض، لابد أن يحتاج الأمر إلى عدة عوامل وقواعد لتشييد السلوك و ضبطه، ومن هنا في التنظيم الاجتماعي والحكم السياسي يصبحان لازمين من لوازم الحياة الإنسانية، ولما كانت هذه القواعد والقوانين التي يحيى بها البشر هي من صنع الإنسان، وكان هو الذي يقرر ما يشاء من أفعال وتصرفات سياسية، فإن السياسة تصبح عملا إنسانيا صرفا خلقه الإنسان وتركز حول الإنسان.
لذا يجب أن يكون البحث عنه من خلال دراسته الإنسان وليس ظواهر الكون الطبيعي وهنا تطرح عدة أسئلة:
* ما هي القواعد التي يجب أن يفرضها المجتمع على الإنسان؟ ومن تكون له سلطة وضع القوانين التي تؤثر في مجريات حياة الناس؟
* و ما هي الإجراءات التي تتبع في ممارسة الحكم، وما هي المؤسسات الضامنة لسلامة هذا الحكم، وما هي الحدود التي يجب أن تلتزمها أي حكومة ولا تتعداها؟
هذه بعض الأسئلة يتعين على كل مجتمع سياسي في أي عصر أن يجيب عليها.... ! ومن هذا المنطلق يلاحظ أن آليات السياسة والحكم تنطوي على قيم و أخلاقيات، وهذه القيم تعكسها المؤسسات السياسية في تنظيمها وممارستها، فالسياسة والديمقراطية شيئان لا ينفصمان مهما كان الحكم على القيم، ومن تم فإن الحكومة الديمقراطية والسلطوية تعملان بالقيم، لكنها قيمة مختلفة، وقد تكون متضاربة، ويلزم أيضا أن نلاحظ أنه لا ديمقراطية خالصة ولا ديكتاتورية خالصة، فالديمقراطية والسلطوية هما طرفان لامتدادات تملأ الفراغ السياسي.
فالديمقراطية أساسا منهج نسبي عملي منطقي إلى حد ما يدرك أن المعرفة البشرية معرفة نسبية قابلة للخطأ، ويصحح نفسه وهو يمضي في التطبيق، وهو منهج ينكر على الإنسان أو أية جماعة أن يمتلك أو تمتلك الحقيقة كلها، وقد يقال أن الذين يؤمنون بالحقيقة المطلقة يتعين استبعادهم من صفوف الديمقراطيين، إن الديمقراطي يخلق أهدافه و أغراضه ويقيم وسائله ويغيرها كلها إذا دعت الضرورة، وقد يكون مفرطا في التفاؤل أو متجاوزا لحدود الأمل في توقعاته، ولكنه يرفض اليقين الحديدي الذي تمليه العقائد والمذاهب.
والقيمة الأولية في البناء الهرمي الديمقراطي هي الإنسان الفرد، وبناء عليه فإن الديمقراطية تجعل الناس جميعا على قدم المساواة من الاستحقاق و الجدارة بغض النظر عن ظروفهم في
الحياة، وهو ما يقود إلى الاعتقاد بأن الناس قادرون على حكم أنفسهم، وأنهم يجب من ثم أن يحكموا أنفسهم ولذلك نجد أن المصدر المشروع الوحيد في النظرية الديمقراطية للسلطة السياسية هو رضاء المحكومين وهو المبدأ المعروف بالسيادة الشعبية، إذن فالديمقراطية تعني المساواة أساسا، ويختلف تطبيق مبدأ المساواة باختلاف النظم الديمقراطية.
أما مطالب المساواة في المجتمعات الديمقراطية عامة فقد اقتصرت على الأوضاع السياسية والقانونية وعلى مفهوم تكافؤ الفرص، وتكافؤ الفرص أمر يسعى إليه في المسائل الاجتماعية والوظيفية مثل التعليم والوضع الاجتماعي والإسكان وغيره، غير أن الصعوبة التي تواجهها معظم الديمقراطيات هي فيما يتوارثه الأفراد، حيث من العسير جدا التغلب على مزايا الثروة أو الكيان الاجتماعي الذي يتحقق بالميلاد وفق الانتماء إلى أسر معينة في النظم الديمقراطية، فلابد أن تكون هناك حرية الكلام وحرية النشر والارتباط الحر مع الآخرين إذ لا يمكن تأسيس حكومة ديمقراطية دون هذه الحقوق، ولابد أن تكون العملية السياسية مفتوحة لكل شخص، ولابد أن يكون أفراد المجتمع يتمتعون بقسط من التعليم يمكنهم من تقييم حكومتهم، ولابد لهم من أن يحصلوا على المعلومات التي يحتاجونها من أجل هذا التقييم.
والديمقراطية تنطوي على المسؤولية بالنسبة للحاكم والمحكوم، فالذين يشرفون على الحكم يتعين أن يوجهوا النظام السياسي طبقا للمبادئ الديمقراطية، و لابد أن يكون هناك أسلوب لمحاسبتهم وتغييرهم كلما اقتضى الأمر ذلك، ومن جهة المواطن لابد أن تكون له حرية النقد والمعارضة لسياسة الحكومة واقتراح البدائل والسعي لتنفيذها، وعلى الديمقراطيين أن يكونوا راغبين في دفع الثمن الواجب لحكم أنفسهم بأنفسهم حكما مسؤولا، وهو إنفاق الوقت والجهد ليصبحوا مواطنين مسؤولين لأن الديمقراطية هي بمثابة التزام سياسي يبقى مع المرء طول الحياة، وأن يتبع الحكام والمحكومون قواعد اللعبة السياسية ليتحملوا الهزيمة ويبتعدوا عن العنف، ويتلمسوا سبل التعبير السياسي عن طريق القنوات الراسخة بالوسائل السلمية، ويتعين على المحكومين أن يتجنبوا فرض إرادتهم على الحكومة بالعنف.
أما النظم السلطوية فكل أشكالها تنطوي على إنكار اليقين الديمقراطي بجدارة الإنسان وقيمته المتساوية مع بني جلدته، وهي بالتالي تنكر صراحة أو ضمنا قيمة الإنسان الفرد، أو قدرته على حكم نفسه بنفسه.
ومتى ثم إنكار المساواة الأساسية بين الأفراد سقط حقهم في حكم أنفسهم بأنفسهم، ومعه كل الجهاز الذي تقدره النظم الديمقراطية كحرية التعبير وحرية دخول العملية السياسية، حرية التجمع والترابط وغيرها من الحريات الشخصية، لا مكان لها في النظم السلطوية.
قد تستبقي هذه النظم أشكال المؤسسات الديمقراطية، ولكنها تغير وظيفتها في العملية السياسية، فالأحزاب السياسية مثلا تخدم أهدافا مختلفة في النظم الديمقراطية والنظم السلطوية.
لا يوجد مجتمع قائم في احد النظامين خالصا، ففي كل ديمقراطية توجد مثالب وعيوب بعضها يشكل قصورا جسيما، وأما النظم السلطوية فمعظمها أقل من أن يكون شموليا، ومع ذلك فالفوارق بين النظم ليست مجرد فوارق أكاديمية، إذ هناك فارق في نوعية الحياة واضح.
الديمقراطية الناجحة وراءها عهد طويل من التقاليد والتجربة، كما أن الديمقراطية تعكس علاقة القوى الحقيقية في المجتمع إذا أريد لها أن تبقى وتستقر، إن الديمقراطية تتطلب مؤسسات معينة مثل استقلال القضاء والنزاهة فيه، أن يكون العدل هو أساس الديمقراطية بالإضافة إلى المجالس التشريعية، والأحزاب السياسية وعلى ذكر الأحزاب السياسية أي حزب سياسي كان يمثل أغلبية أو حتى أقلية هدفه هو الوصول إلى الحكم منفردا أو المشاركة فيه، ولكن الحزب متى وصل إلى الحكم أو شارك فيه أصبح له شكل ومضمون مختلف، فهو لن يبقى تلك الساحة الرئيسية التي يجتمع فيها المواطنون من ذوي الآراء المتشابهة من أجل التعبير عن آرائهم وتنظيمها وتطويرها وأعمالها أو العمل بها وبالتالي يصبح له كيان جديد هو كيان المسؤولية المباشرة على الصالح العام، أي انتقل من الدائرة النظرية إلى الدائرة العملية والمرحلة التطبيقية، وأصبح مسؤولا في أجهزة الدولة، بل أصبح أيضا إذا كان مشاركا في الحكم مسؤولا بالمشاركة عن تصرفاته وتصرفات ممثليه في المسؤوليات الحكومية أو البرلمانية أو الجماعية، وكذلك عن تصرفات الحزب الآخر أو سائر الأحزاب التي تتولى معه السلطة، وبمعنى أصبح مسؤولا على قدر مشاركته عن نجاح السياسة الحكومية أو فشلها في أي وجه من أوجه المرافق والخدمات والإنتاج والعلاقات والسلوك الدولي، وتختلف المعايير التي كان يقاس بها وهو خارج الحكم وأصبحت عامة بعد أن كانت خاصة من داخله، أي أن الحزب أصبح الآن محطة أنظار الجميع، تشارك الجماهير كلها في الحكم على عمله، وهذا هو الامتحان الحقيقي الذي يتعين على كل حزب أن يواجهه بحيث تصبح له مسؤولية مباشرة.
ويجب أن نلاحظ أن قيام الأحزاب السياسية هو عملية منتظمة، أي أنها عملية سلمية يتخذها المجتمع في مجال حركته وأنشطته السياسية عوضا عن أعمال العنف، لذلك فإن مجرد لجوء الحزب إلى العنف أو يحبذه في عقيدته و أدبياته أو أجازته من أجل الوصول إلى السلطة هو في حد ذاته نقص للشرعية الحزبية.
من الخطأ أن نعتقد أن الأحزاب الكبرى وحدها في أي بلد هي التي يمكن أن تقدم خدمات ملحوظة، إن وجود الأحزاب الصغرى أيضا أمر ضروري حتى و إن لم تصل إلى الحكم فهي لها دور هام في تمثيل حركات الاحتجاج على السياسة القائمة وهي تلفت الحكومة إلى الحاجة لإصلاحات اقتصادية واجتماعية معينة.
والسؤال الذي يفرض نفسه، لماذا إنشاء الأحزاب السياسية في المجتمع عامة؟
الأحزاب السياسية تعتبر متنفس للأفراد والجماعات تحاول من خلاله أن تجد طريقها لا إلى التعبير فقط عن كل ما يجمعها و ما تدعو إليه، بل كذلك إلى تجسيد دعواتها و تطبيقها أو محاولة ذلك من خلال الوصول الى مراكز السلطة وهو الأسلوب الحضاري الذي قبلته المجتمعات الدولية من أجل تجنب العنف و آثاره السلبية، والهدف الحضاري الذي تسعى إليه الأحزاب السياسية أو الذي تقوم لتحقيقه هو تجنب العنف وفي المقابل تنظيم قنوات التنفس والتنافس المشروع من اجل تحقيق الأهداف والمطالب وترويج الدعوات.
والأحزاب السياسية تساعد الناس على تعرف مصالحهم وتحديدها وبلورتها، وهنا يكون الحزب بمثابة منبر لمناقشة مختلف المواقف بشأن مختلف القضايا من خلال الكتب والنشرات الادعائية حتى توضح وجهات النظر الموالية أو المعارضة لكل قضية من القضايا بما يتفق مع آراء مختلف
قطاعات الشعب، ومن جهة أخرى يتناول الحزب مصالح الشعب بوضعها مصالح جماعات يتألف منها الشعب، وهنا يكون دور الحزب بمثابة عامل مساعد يستطيع من خلاله مختلف القطاعات تحديد مصالحهم وتقديمها للحكومة مثل الأطباء، رجال الأعمال، الفلاحون، والصناعة، والعمال وغيرهم، فالحزب السياسي كمؤسسة تقف بين الشعب والحكومة، ومن خلال الحزب السياسي يتم اكتشاف الأفراد الصالحين وتجنيدهم و تدريبهم كقوى بشرية قيادية في الحزب ثم في الحكومة فيما بعد، ذلك أن عضوية الحزب هي الباب المفتوح لتولي مناصب السلطة في الحكومة متى فاز الحزب في الانتخابات.
وبناء على ما تمت الإشارة إليه يمكن القول إنه من الأسباب التي أدت إلى فشل النخبة السياسية في المغرب، هي أنها لا تعمل في إطار على ما نشأت من أجله الأحزاب السياسية في المغرب على الرغم من أن الدولة تمنحها كل الإمكانات التحفيزية وتقدم كل المساعدات الضرورية لتلعب دورا محوريا في تاطير المواطنين سياسيا وتكوينهم تكوينا صحيحا وعندما أقول المواطنين نعني بذلك المناضلون المنخرطون داخل صفوف هذا الحزب أو ذاك، كما أن هذه الأحزاب السياسية لا تعمل على إغراء الشباب للانضمام إلى صفوفها بتطبيق الديمقراطية داخل صفوف الحزب حيث أنها أحيانا تمارس المحسوبية والتفضيل بين هذا المناضل و الآخر، وقد يتدخل هنا المعيار العائلي أو القبلي أو الجهوي، وهو ما يسيء إلى الأحزاب السياسية التي تسير في هذا المنهج الذي يمكن أن يقال عنه انه اللاديمقراطي ولا شرعي، والأمر يتقاسم بين الأحزاب والمناضلين، حيث أن بعض المناضلين يشارك في أنشطة الحزب بجاذبية المبادئ العامة ومثاليات الحكم، والبعض الآخر ينظم إلى الحزب بدافع المصالح الخاصة الممثلة في تبني أنواع معينة من السياسات والبعض يؤيد طمعا في مغانم السلطة بينما المأمول في الحزب السياسي أن يلتزم من الناحية العامة بتقديم حلول لعدد من القضايا والمشاكل والسياسات القومية العريضة التي يهتم بها السواد الأعظم من المجتمع ويقوم بتنظيم صفوفه و جهوده لتولي المناصب العامة وصياغة السياسة و إدارتها، بالإضافة إلى ذلك انه ناقد لشتى الأوضاع لاسيما السياسة، وتوليه عملية التثقيف السياسي للمواطنين ووساطته بين الحكومة و المواطنين.
ويخدم الحزب السياسي هدفا عاما هو إثارة الاهتمام وتكثيفه وتشجيعه، وإيقاظ روح المسؤولية لدى المواطنين بالنسبة للقضايا التي تتعرض لهم وتؤثر في مجريات حياتهم، وهذه المسؤوليات تقع على عاتق الأحزاب السياسية بحيث قد يفي بها الحزب وقد يتخاذل في شأنها، والفراغ السياسي يتضح عند فشل الأحزاب في معالجة القضايا المطروحة من خلال مطالب المجتمع، وقد تنحط هذه الأحزاب في بعض الحالات إلى مستوى الاستغلال والشراهة النفعية من خلال الفساد، وبالتالي لا تصبح أحزابا بالمعنى الصحيح بل مجرد جماعات طفيلية في جسم الأمة.
وهناك صلة بين الأحزاب وما يعرف بجماعات الضغط اللوبي السياسي أو اللوبي الاقتصادي، وهي الهيئات أو الجماعات التي تمثل مصالح معينة تضغط من أجل تحقيقها.
ومن خلال هذه اللوبيات تقع الأحزاب السياسية في قفص الاتهام بالتقصير أو العجز عن إيجاد الحلول الناجعة وبالتالي تضعف وتفشل عندما ينفر منها المجتمع بصفة عامة والناخب بصفة خاصة، لأن هذه الأحزاب تهمل الاعتراف بكرامة الإنسان و أهميته كعنصر من عناصر الحكم وعضو نافع في المجتمع، وهو ما يتطلب من الحزب السياسي النهوض والهبوط إلى الساحة ويطلب اشتراك المواطنين والناخبين أو الراشدين، بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو غير
ذلك من أسباب التفرقة، وفي بعض الأحيان لا يعد اعترافا بكرامة الإنسان بقدر ما يعد اعترافا بمكانة الجماعات المتسلطة.
وحتى لا تتعرض النخبة السياسية أو الأحزاب السياسية الى الفشل فهي تمكين القيم والمثل السياسية من أن توضع موضع الممارسة والسلوك اليومي القويم النافع، وأن تتدخل عند قيام مظاهرة أو احتجاج مشروع سلمي وإيجاد الحلول الناجعة والبدائل التي هي موضوع الاحتجاج، وأن يعمل الحزب السياسي وفق انتظارات المواطنين، أن ينحو مع التقاليد و التأكيد على الارتباط بالحزب وبرنامجه وليس على الشخصية الفردية، وفي الديمقراطيات الناخب عادة ما يقترح للحزب وليس لشخص معين لأن الارتباط الحزبي هو الذي يهم الحزب، والحزب الناجح هو الذي تتوفر فيه الخصائص التالية، الأموال والمواهب والقوى الانتخابية والمرشحون الذين يتمتعون بشعبية أو جاذبية خاصة.
والأحزاب السياسية الفاشلة هي التي لا تقوم بالواجب وهي لا تساهم في تنظيم وتمثيل المواطنين ويتمثل ذلك في:
* تعميق الثقافة السياسية في تنظيم و إنعاش المشاركة الفعالة للمواطنين في الحياة العامة اليومية الفردية والجماعية.
* تكوين نخب قادرة على تحمل المسؤوليات العمومية.
* المساهمة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية.
* ربط الاتصال الدائم بين المواطنين والمؤسسات الدستورية وتنشيط الحقل السياسي.
وقد يلاحظ أن الأحزاب السياسية لا تحترم ما واعدت به الناخبون من خلال برامجها الانتخابية، وقد تساهم في نفور الشباب من الانضمام إلى حزب سياسي لعدم مصداقية هذا الحزب أو أنه لا يطبق الديمقراطية داخل صفوفه، ومن بين أسباب النفور غياب الأنشطة الحزبية والتواصل مع المواطنين إلا أثناء الحملات الانتخابية، وقد ينجح هذا المترشح الحزبي ويغيب عن المشهد السياسي ولا يظهر للذين انتخبوه إلا في الاستحقاقات، وهناك من أعضاء الحزب من يحصل من خلال الحزب على منصب وزير ولم يعد يرضى بالحديث أو مخاطبة الأعضاء وخاصة الشباب منهم معتقدا أنه فاز ولا حاجة له مستقبلا بهؤلاء المبتدئون أو هم من الطبقة الدنيا، وبالتالي تغيب الديمقراطية والشفافية والتواصل والتخاطب والحوار البناء مما يدفع بالمناضلين إلى النفور ومغادرة الحزب وخاصة النخبة المثقفة وبالتالي تفشل هذه النخبة.
والجدير بالملاحظة هنا، المطلوب من الأحزاب السياسية مراجعة نفسها وتصحيح أخطائها و إن تطلب منها الأمر التخلي عن ممارسة السياسة إن هي اعترفت بأنها فشلت، وفتح المجال للنخبة الصاعدة لعلها تصلح ما يمكن إصلاحه و إعادة الاعتبار إلى المشهد السياسي بصفة عامة وممارسة السياسة بصفة خاصة وفق ما وضع لها من قوانين و أهداف وغايات من خلال استراتيجيات واقعية وقابلة للتنفيذ والتطبيق، وحينها يمكن القول أننا في مغرب جديد يسوده جو الديمقراطية ونمط دولة الحق والقانون وبالتالي تغيب الاحتجاجات والمظاهرات القطاعية إلا في إطار القانون المنظم لذلك تحكمه قواعد سلمية اجتماعية من خلال الحوارات البناءة الجادة والمفيدة والتفاهم والاقتناع والالتزام بمقتضياتها، وتنفيذ التعهدات بالاستجابة إلى مطالب المجتمع المشروع الضرورية حسب الخصاص و الحاجة والأسبقية دون تفضيل إقليم على آخر وبدون
تهميش أو إقصاء بل بالعكس المواطنون المؤطرون من طرف الأحزاب السياسية هم أنفسهم يساهمون في إيجاد الحلول الناجعة متعاونين في ذلك مع السلطة والمنتخبون والأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني ويتمثل ذلك في النخبة السياسية.
أما لماذا فشلت النخب السياسية في المغرب؟ فذلك لا يختلف عن فشل الأحزاب السياسية التي تمثلها هذه النخب السياسية، وباختصار:
* عدم المسؤولية والفهم الجيد للديمقراطية وربط المسؤولية بالمحاسبة، أو حتى إنزال العقاب والإفلات من العقاب بطرق تحايلية على القانون.
* تراجع المصداقية والحفاظ على الكرامة الفردية.
* السيبا التي قد تعم جميع القطاعات الحيوية في الدولة، و تخلي الدولة عن وظيفتها في ردع الخارجين عن القانون.
* الفساد الأخلاقي و الاجتماعي والاقتصادي والإداري في غياب تطبيق القانون بحذافيره وقواعده الآمرة والرادعة في كل القطاعات.
* الغلاء في المعيشة والمهور والسكن اللائق وتدني الأجور وضعف القوة الشرائية.
* وأخيرا وليس آخرا الميوعة السياسية وتخلي الأحزاب السياسية عن وظيفتها النبيلة، فضلا عن الاختلالات المضبوطة سواء تلبسا أو من خلال التدبير والغدر والخيانة دون عقاب ومن هنا يأتي فشل النخبة السياسية حيث أنها لم تؤطر تأطيرا سليما من خلال الأحزاب السياسية أو المؤسسات التي قبلت بها.