من منّا لا يحلم بأن يرى قرار عينيه قد وصلوا إلى أعلى المراتب و أحسنها، باستشرافهم إلى بر أمان الاندماج في الوظيفية العمومية أو الخصوصية، موازاة مع تنعمهم بتربية وخلق حسنين، بعدما سهر على تربيتهم و تعليمهم، ووفق في ذلك... فكثيرا ما نسمع في أوساط الأسر المغربية: الحمد لله لقد وصّلنا أبناءنا إلى المبتغى المطلوب وجنينا ثمار تعبنا و سهرنا... فلم يكن هذا الوصول محض الصدفة، سهلا طيعا هيّنا، وإنما بذلت في ذلك إمكانات مادية و معنوية مجهدة. لكن الحالَ غير حال الكثير، إذ نجد في المقابل من الأسر من حلُم و تمنى بعين الشائق، إلا أنّ الواقع تكالب مع الحظ العاثر ليقفا حجر عترة أمام تحقيق أمنياته، بل حلمه الوحيد. فكثيرا ما نجد من الآباء من ضحى بالغالي و النفيس، رغم الفاقة و رغم الظروف الصعبة القاهرة، ولكن دون جدوى، أمام متطلبات التربية والتعليم التي تقف سدا منيعا، وكأنها الصراط المستقيم، لا يعبره إلا المؤمن التقي الورع، فلا يعبر صراط التربية والتعليم و كذا استشرافه إلا من تعب و بذل وضحى بجهده وماله ووقته و راحته من أجل الظفر بمحصول سنوات التضحية والجهاد. لا أدري‼ كثرت المكونات و تفرعت الشعب فكثرت معها الكتب والمستلزمات والمتطلبات، من توفير نقل و تغذية و كسوة و تطبيب و جو ضروري وملائم ، مما يثقل قَبل الآباء لا محالة، ضف إلى ذلك الحاجة أو الإكراه إلى و على دروس الدعم والتقوية التي أصبحت موضة العصر ولا شك في ذلك. فكيف لهذه الأسر أن تتحدى كل هذا الثقل وتوفق في تجاوزه...الأمر الذي يجعلها مشدودة ما بين نار العمل، وبكل جهد، على توفير ذلك وبين نار تحقيق الأمل، أمل حياتهم ...
بالأمس كانت التربية والتعليم يكتفيان بدفتر وسبورة خشبية، لسد حاجة متعلم متعطش للنهل من الآداب و العلوم على يد شيوخ بررة كرام، من وسائلهم الديداكتيكية ما حفر في الصدور وعصا تختلف فساوتها من شيخ إلى آخر ... فقيل بكل فخر: إنه الزمن الجميل‼. واليوم تغيرت الحال كليا بتغيّر العالم و متطلّبات الحياة و آفاق المستقبل، وبالتالي تغيرت أنظمة التربية و التعليم، فكثرت النظريات و تعددت و كثرت المناهج والطرائق وتنوعت، واضعة نصب عينيها المتعلم فوق كل اعتبار، خاصة علوم التربية بمجالاتها و الديداكتيك العام والخاص. فصرنا تائهين نخبط خبط عشواء في الفرز والأخذ من أنسبها ومن لم يصبها يخفق فيُهزم ...فكان من الطبيعي أن ترتفع تكلفة المنظومة التربوية التعليمية سواء على الدولة أم الأسرة، خاصة الأسر الفقيرة التي تقف ولا محالة عاجزة أمام هذا الأمر...