أثار وجود مصاحف ب«أوراق ملونة» في السعودية جدلا بين شرائح المجتمع، كونها تغادر المألوف من شكل المصحف وتدخل الألوان على أوراقه، مما قاد إلى اختلاف حولها بين معارض ومؤيد، حيث لاقت الفكرة استحسان من يرون أن تلك الطريقة من شأنها أن تعمل على جذب الأطفال والشباب إلى قراءة القرآن الكريم، في حين استنكر آخرون الأمر على خلفية أن تلوين صفحات المصحف تفقد القرآن الكريم هيبته. وتتمثل تلك المصاحف في تلوين صفحات كل جزء على حدة، بهدف جذب ومساعدة الأطفال والشباب على القراءة والحفظ، وهو ما اعتبرته ابتسام المحمدي، إحدى أستاذات مادة الشريعة الإسلامية، سيفقد كتاب الله هيبته، كونه يصبح شبيها بكراسة تلوين أو قصة للأطفال، حسب قولها. وقالت المحمدي: «فوجئت برؤية المصحف الملون في إحدى حصص القرآن الكريم عندما كانت طالبة تقرأ منه، واعتقدت للوهلة الأولى أنها تمسك بدفتر ألوان»، وبينت أنه كان يتضمن صفحات باللون الأحمر والأخضر والأصفر وغيرها، مطالبة بضرورة تدخل الجهات المعنية لمنع ما وصفته ب«العبث» في القرآن الكريم. بينما يكثر الطلب على المصحف الملون في مناسبات أغلبها دينية كبداية شهر رمضان حيث يقدم كهدية، وبينت ابتهال حمد التي تعمل في بيع المصاحف الملونة عبر الإنترنت من مكتبها في دبي، أن الطلب يكثر عليها في شهر رمضان من قبل الفتيات والشباب، لافتة إلى أنها تقوم بشحن الكمية المطلوبة خلال يومين عبر البريد، بينما تتراوح أسعاره بين 60 إلى 120 ريالا، إلا أنه لا يتم شحن أقل من 25 مصحفا. وحول أماكن طباعته ومدى دقته، بينت ابتهال أن هناك مؤسسات خاصة لديهم تقوم بطباعته ومراجعته قبل أن يتم توزيعه، إضافة إلى أنه مصرح من قبل الأوقاف بتداولها، لافتة إلى أنها تقوم بتوزيعه في عدة دول عربية وإسلامية، إذ لا ترى ضررا من تداوله وبيعه. إلى ذلك، يرى الدكتور محمد السعيدي، رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، أنه إذا كان تلوين صفحات القرآن الكريم بهدف خدمة عملية الحفظ والتدبر فلا بأس به، كونه يعين على البر والتقوى. وقال: «إن بعض المصاحف يتم فيها تلوين لفظ الجلالة، وأخرى تلون أجزاء معينة»، وفي بعض الأحيان يكون هناك تلوين بهدف تحديد الأحزاب أو أرباع الأحزاب، وذلك من أجل سهولة معرفة القارئ بما وصل إليه في القرآن الكريم خلال قراءته. واستطرد قائلا: «قد يعتبر تلوين المصاحف أيضا من أنواع التعظيم للقرآن الكريم ومن ثم تعظيم شعائر الله التي قال عز وجل فيها (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)». ولكنه استدرك بالقول: «إذا كان التلوين لمجرد الزخرفة فقط فإنها من الأمور المكروهة، لا سيما أنها ستشغل القارئ عن تدبر معاني القرآن الكريم وتأمله وحفظه، الأمر الذي يحتم تجنبه». بينما أوضح مسؤول بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف أن المصاحف التي يصدرها المجمع غير ملونة، مشيرا إلى أن المصاحف الملونة التي تم تداولها وانتشارها مؤخرا بين الناس جميعها تابع لمؤسسات تجارية وأفراد، لافتا إلى وجود توجيه من قبل الجهات المعنية، بعدم بيع أو استخدام أي مصاحف تأتي من خارج المملكة ويكتفى بالمصاحف التي تتم طباعتها في مجمع الملك فهد. إلا أن الشيخ صالح المغامسي، مدير عام مركز بحوث ودراسات المدينةالمنورة، يرى أن إبقاء المصحف على رسم واحد، يعتبر أكمل وأفضل وأبقى لهيبته في القلوب، وقال ل«الشرق الأوسط»: «إن كان الذين يلونون ويقسمون المصحف يريدون خيرا بذلك من خلال تقسيمه، بحسب رأيهم، شيئا للتفسير وشيئا لمعرفة أحكام التجويد وأسباب النزول، فإن هذا الأمر قد يحسن فعله مع غير المصحف». وأضاف: «أما المصحف، فقد توارث المسلمون منذ أن كتب في زمن أبي بكر إلى يومنا هذا ألا يشوب رسمه اختلاف»، وقال: «فكما يقال إن الكعبة الأفضل أن تبقى على ما هي عليه باعتبارها شعيرة إسلامية معظمة في القلوب ذات رمز واحد، فكذلك يقال في المصحف الأفضل والأكمل أن يبقى على ما هو عليه». وحول أن ذلك الأمر يساعد على جذب الشباب والفتيات والأطفال للقرآن، أكد المغامسي ضرورة أن يُرتَقى بالناس إلى هيبة المصحف لا أن يجعل الأشخاص المصحف اجتهادا منهم قريبا إلى الناس بهذه الطريقة. وأضاف: «لا بد أن نفرق بين كل قول أو محفوظ وكلام الله، فليس كل ما يجري العمل على تقريبه للصغار يجري على كلامه عز وجل، فالمصحف إذا ذكر لا بد أن تكون هناك صورة ذهنية مهيبة في العقل». ولفت إلى أنهم لا يطالبون بتجريد المصاحف، ولكن في مثل هذه الأمور يجب على كل مكتبة أو دار نشر، تُقدم على نشر كتاب الله أن تتوخى إدخال أي جديد فيه، مشددا على ضرورة أن تتم مراجعته وتدقيقه، إضافة إلى أخذ رأي المجامع الفقهية والعلماء الشرعيين المعروفين قبل الإقدام على هذا الأمر. من جهته، بين دكتور محمد أمين بن خطري، مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المدينةالمنورة، أن كميات كبيرة من هذه المصاحف تأتي لهم، إلا أنهم يقومون بإتلافها عبر مجمع الملك فهد لطباعة المصاحف، وقال: «هناك تعليمات مشددة على جميع المراقبين والأئمة والمسؤولين سواء في المساجد أو غيرها بعدم قبول أي مصاحف سوى المطبوعة في مجمع الملك فهد»، مشددا على منع إبقاء أي نسخة منها وعدم اعتمادها بأي شكل من الأشكال.